الفسخ ليس بمتفق عليه، فوجب ألا يثبت حكمه مع الفوات كما يثبت مع القيام.
وقد أشار ابن المواز إلى أن الفسخ إنما وجب عنده لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو مردود" (?). ولم يلتفت ابن المواز إلى كون النهي متعلقًا بحق المخلوقين خاصة، أو بحق الخالق. وقد كنا قدمنا نحن أن النهي إذا كان لحق المخلوقين لم يقتض الفسخ، كما دلّ عليه حديث المصراة، وأنه عليه السلام (نهى عن التصرية، وأشار إلى كون البيع لا يفسخ).
وإذا قلنا بالمذهب المشهور: أن بيع التلقي لا يفسخ، لكون الثمن والمثمون سالمين من الفساد، وإنما تعلق بالعقد نهي بمعنى آخر، فإن عن مالك روايتين: إحداهما أن السلعة لا تنزع من يد المتلقي وهي رواية ابن القاسم.
والأخرى أنها تنزع من يده. وهي رواية ابن وهب.
فكأنه، في الرواية التي أبقاها في يده، رأى أن النهي لا يتسلط على رفع الملك، لكون الثمن والمثمون سالمين من الفساد. ورأى في الرواية الأخرى أنه، وإن لم يفسخ، فيلتفت إلى حق غير المتلقي في ما تلقاه، فيشاركون فيه المتلقي.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
الخروج إلى تلقي السلع الواردة على بلد يمنع منه أهل البلد، تلقوها عن مسافة قريبة أو عن مسافة بعيدة. لأن ما قدمناه من التعليل بنفي الضرر عن أهل البلد أو عن الجالب يتصور فيه هذا التلقي الذي تقرب فيه المسافة أو تبعد.
هكذا ذكر ابن حبيب. وفي الموازية: من قدم بسلع على بلد، على أنه متى وجد في الطريق من يشتري منه باع، فإن هذا ينهى عن الشراء منه حتى يقدم المدينة التي قصد إليها، إلا أن يكون أراد أنه إذا مرّ بقرية مأمونة بها سوق، فإنه يبيع بها، فإنه لا يجوز لأهلها أن يشتروا منه. فكأنه اعتبر القصد الأول الذي هو المدينة التي أمّها أو سافر إليها، وما عرض له من الخاطر أنه يبيع في أثناء