ولكنه لم يباشره البائع، وإنما سأل من يزايد المشتري تغريرًا. فنهى عن هذين لمصلحة الناس ونفي الضرر عنهم. وكذلك السوْم على سوم المسلم، فيه ضرر لمن يركن إليه البائع وأراد البيع منه. وكذلك بيع حاضر لباد، فيه مرفق بأهل الحواضر، يشترون ما يأتي به أهل البادية بثمن رخيص. وكذلك تلقي السلع، اختلف الناس في علته، فقال ابن الجهم من أصحابنا: كان النهي عن التلقي في أوّل الإِسلام لئلا ينفرد المتلقي بالرخص دون أهل السوق، وأما الآن فلا يقدم أحد إلا وهو على بصيرة بسعر ما يقدم به، فينبغي أن يكره ولا يحرم. وأشار إلى كون العلة نفي الضرر عن أهل البلد الذي قصد الجالب بلدهم ليبيع منهم.
وأشار أبو حامد الإسفرائيني إلى هذه العلة، وأضاف إليها علة أخرى، وهي نفي الضرر عن الجالب بأن لا يغبنه المتلقي. وأشار إلى هذا بعض المتأخرين من الأشياخ.
وقد يهجس في النفس في هذا التعليل الذي هو النهي عن غبن الجالب، أنه يناقض النهي عن بيع حاضر لباد لكون النهي عن بيع حاضر لباد يشير فيه إلى تسهيل الطريق إلى غبن البادي؛/ ألا تراه قال "دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض". والنهي عن تلقي الجالب يشير فيه إلى حسم الطريق المؤدية إلى غبنه، ألا تراه يقول، في بعض طرق الحديث، في البائع: إن أتى السوق فهو بالخيارة يشير إلى إثبات حق له في رفع. الغبن عنه. والانفصال عن هذا: أن التلقي ربما يكون من واحد لراكب واحد، فهما متساويان في الحرمة والغرر، فلم يحصل للمتلقي من الترجيح على الجالب ما يوجب تسهيل الطريق إلى غبن الجالب. وأما بيع حاضر لباد، فإن المنفعة في هذا النهي لا تختص بواحد، بل تعم أهل البلد الذين أتاهم البدوي، لكونهم يشترون منه برخص إذا لم يبع لهم سمسار يستقصي لهم الأسعار. وأيضًا فإن التلقي يصلح أن يعلل بعلتين، إحداهما النهي عن غبن الجالب؛ والثاني النهي عن مضرة أهل السوق، بأن ينفرد المتلقي بالربح دونهم. والنهي عن بيع حاضر لباد لا يصلح فيه إلا علة واحدة، وهي رفع الضرر عن أهل البلد في أن يستقصي السمسار للبدوي