"مرّ به، وبين يديه حملان زبيبًا، فقال له: كيف تبيع هذا؟ فقال: رطلين بدرهم. فقال: بلغني أنه تقدم من الطائف رفقة، أخاف أن يقتدوا بك، فرخص على الناس أو أدخل زبيبَك بيتك".
ومن يمنع التسعير يجيب عن هذا بأنه: لا يخص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمذهب ذهب إليه الصاحب رضي الله عنه. وأيضًا فإنه قد ذُكر عن عمر رضي الله عنه أنه عاد إلى حاطب بن أبي بلتعة فاعتذر إليه، ورجع عن قوله، وأخبره أنه قال ما قال من غير عزم عليه (?).
وإذا تقرر الخلاف في التسعير، وسبب الخلاف فيه من اختلاف هذه الآثار وتأويلها، فإنا نذكر صورة صفة التسعير. فقد قال ابن حبيب: إذا حاول الإِمام التسعير، فإنه يجمع وجوه أهل السوق الذين يسعر عليهم، ويستظهر على صدقهم بغيرهم ممن هو ليس من أهل السوق، ويسألهم عما يشترون به ما يبيعونه من الناس، فإذا عرف ثمنه سألهم عن مقدار ما يربحون، ونازلهم في ذلك بقدر ما يراه مصلحة للناس، ولا يكون فيه إضرار بهم في الربح، فإن وافقهم على شيء فتراضَوْا به، فحينئذ من تعداه من أهل السوق وعاند أمره أخرجه من السوق. قال: وعلى هذا أجاز من أجازه. قال: وإنما يكون التسعير في المكيل والموزون، طعامًا كان أوْ غيره، دون العروض. فكأنه رأى أن العروض تراد لأعيانها، وتختلف الأغراض فيها، بخلاف المكيل والموزون الذي تتساوى الأغراض في جنسه. وأشار إلى ما كنا قدمناه من الخلاف في التسعير أنه لم يُرِد به جَبر الناس على بيع أموالهم بثمن معلوم، ولا أن يحرم عليهم تعدّي ما يعدّ لهم من الثمن، ولكن إذا تراضى هو وأهل السوق على البيع بسعر صار من خالف ذلك من سوى أهل السوق أدخل ضررًا على المسلمين، فوجب أن يعاقب عليه بإخراجه من السوق، أو غير ذلك. فهذا حكم التحجير والتسعير الذي يعود بصلاح العامة والجمهور.