مضرة ولا مفسدة لأحد فإنه يجوز للإمام فعله. وإنما يقع الإشك الذي ما امتزج فيه ضرر ونفع، كما مثلنا به.
وقد أشار ابن حبيب إلى أن الخلاف في التسعير فيما سوى القمح والشعير وشبههما. وهذا الذي قاله لا يتضح له وجه، إلاَّ أن يحمل على أن ذلك في حق جالب الطعام من بلد إلى بلد. وإلى هذا المعنى أشار، لأنه لما ذكر هذا قال: إن القمح والشعير يبيعه الجالب، ولا يمكن من يشتريه منه للتجارة ليبيعه على يديه. بخلاف غيره من الممتلكات التي تباح للتجارة أن يشتروها من الجالبين ليبيعوها على أيديهم.
وهذا حكم التسعير على المحتكر قد بيناه والمسألة تستند إلى آثار. فمما يعوِّل عليه من ذهب إلى النهي عنه ما خرجه الترمذي في كتابه عن النبي عليه السلام أنه "لما قيل له: سَعِّرْ لنا، يا رسول الله. فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى ربي، وليس أحد منكم يتبعني بمظلمة في دم ولا مال" (?) الحديث كما ذكره الترمذي، وأردفه بأن قال: هذا حديث حسن صحيح.
وإطلاق هذا الحديث بعمومه يقتضي منع التسعير على الجملة على الجالب والمحتكر في المدينة.
وأما من ذهب إلى جواز التسعير فإنه يحمل هذا الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما طلب منه أن يسعر على الجالب، فلم يفعل، وفيه قال ما قال. وقد ذكرنا الاتفاق على أنه لا يسعر على الجالب. ويخص هؤلاء هذا العموم بفعل الصاحب. وقد اختلف أهل الأصول في تقليد الصاحب، لا سيما إن كان إمامًا من الخلفاء الراشدين. وقد ذكر مالك في الموطأ أن "عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بَلْتَعَة وهو يحاول بيع زبيب له، فقال له: بيع بكذا، أو فأدخل زبيبَك بيتك". وقد روى هذا الحديث غير مالك بأتمّ من روايته؛ فذكر أنه إنما