وأما التسعير بمعنى أن يحدّ الإِمام ثمنًا ينهى عن أن يُتَعدى لمن حاول البيع، ويجعل الخيرة إليه في البيع، إن شاء أمسك طعامه وغيره، وإن شاء باعه. ولكنه إذا شاء البيع فلا يتعدى الثمن الذي حَدّ له. فإن هذا أيضًا على قسمين:
أحدهما أن يكون الطعام بيد رجل جلبه أو زرعه؛ أو رجل لم يجلبه ولم يزرعه ولكنه احتكره بشرائه من أسواق المسلمين على وجه يجوز له، فإن كان ما بيده من الطعام هو جلبه من مدينة أخرى أو زرعه فإنه لا يُخْتلف في أن الإِمام لم (?) يسعر على هذا. وإن كان الطعام بيد محتكره بشرائه من سوق المسلمين، ورأى الإِمام من المصلحة للناس أن يأمرهم ببيعه بثمن يحدّه لهم ولا يتعدوه، فهذا مما اختلف الناس فيه. وأكثر العلماء على النهي عنه. وبالنهي عنه قال ابن عمر رضي الله عنه، والقاسم بن محمَّد، وسالم بن عبد الله، وأبو حنيفة، والشافعي، وهو أحد القولين المشهورين عندنا.
وذهب ابن المسيب ويحيى بن سعيد وربيعة إلى تمكين الإِمام من هذا إذا رآه من المصلحة. وهو أحد القولين عندنا.
وقد سئل عن الإِمام يقول للجزارين: بيعوا لحم الضأن رطلًا بدرهم، ولحم الإبل نصف رطل بدرهم. إن هذا لا بأس به. ولكن يخاف أن يقوموا.
فأشار إلى جواز التسعير في هذه الرواية من ناحية الفقه، ولكن وَقَفَ فيها إلى جواز التسعير من ناحية المصلحة، لأنه لا أحد من العلماء يبيح للإمام أن يحجر على الناس أموالهم تحجيرًا لا مصلحة فيه للجمهور.
وإنما يقع الاضطراب فيما فيه مصلحة. فمن يلتفت إلى القضاء بالمصالح أباح التسعير، ومن يلتفت إلى مضرة أصحاب الأمو الذي أن يحجر عليهم في أموالهم الثمن الذي يختارونه منع من التسعير. فصار الأمر ينحصر إلى أنه متى كان التحجير لا يتضمن مصلحة فإنه يمنع منه، ومتى كانت المصلحة لا تقابلها