وحكى لي أحد أشياخي عن أحد أشياخه منتصرًا لهذا الذي أشار إليه مالك، بأن قال: قد اتفق على أنه لو كانت سفينتان بجزيرة في البحر، إحداهما تتوجه إلى المشرق والأخرى إلى المغرب، أنه يسوغ لركاب كل واحدة من السفينتين أن يتمنوا الريح التي تسيرهم إلى مقصدهم، وإن كان فيه حبس الآخرين، وحبسهم يَلحقهم الضرر به.
قال القاضي أبو محمَّد رضي الله عنه:
والتسعير على أهل الأسواق غير جائز. ومن زاد في سعر أُخرج من سوق المسلمين، إلى أن يلحق بالناس.
قال الشيخ رحمه الله تعالى:
يتعلق بهذا الفصل سؤالان:
1 - أحدهما أن يقال: ما حكم التسعير لمنفعة الجمهور؟
2 - وما حكم التسعير لمنفعة أهل السوق؟
فالجواب عن السؤال الأول أن يقال:
التسعير على وجهين:
أحدهما يتضمن تحجيرًا كليًّا، مثل أن يجبر الإِمام من عنده الطعام أو غيره مما في معناه، على بيعه، كره أو رضي. فهذا لا يسوغ باتفاق. ولا يجوز جبر المسلم على إخراج ملكه بغير اختياره، من غير سبب يوجب ذلك. لكن لو حدث غلاء أو شدة ببلد عدم فيه الطعام إلا عند قوم مخصوصين، إنْ لم يخرجوا طعامهم للبيع من الناس هلك الناس. فإن هذا قد تقدم الكلام عليه، وذكرنا أن الإِمام يأمرهم بإخراجه، لوجوب المواساة عليهم، وكون حياة المسلم واجبة على أخيه المسلم. فإذا أبقى لنفسه من الطعام ما يحفظ به حياته وحياة أهله صار إمساك ما زاد على ذلك يحرم عليه، لما يتضمنه من هلاك أخيه المسلم، والشرع قد تقرر فيه تحريم هذا.