أحد المتبايعين بفساد العقد، هل يفسد ذلك العقد، كما لو علمًا جميعًا، أو لا يفسده. بخلاف أن يدخلا جميعًا على العلم بفساد العقد وتحريمه؟
وهذا الذي أشار إليه ينبغي أن يتحقّق تصوّره بأنهّما دخلا على علم بذلك، وهما يلتفتان إلى ما يمّضي به القاضي عليهما في هذا. وأمّا لو عقدًا وهما يعتقدان أنّ ذلك لا يقدر على فسخه عليهما، وصمّما على أنّ الغرر في ذلك لا يمكن إلاّ أن يقعا فيه، لكان هذا مِمّا يمنع من اتّضاح تصوّر الطريقة الّتي أشار إليها.
وكان أيضًا يرى أنّهما إذا جهلًا جميعًا التحريم ووجوب إنفاذ البيع الذي عقداه، أن يباع عليهما، فإنّ لكل واحد فيما عقد على نفسه لمَا طرأ عليه من عيب بعد العقد، وهو كون المشتري مجبورًا على أن يخرج من يده ما اشتراه والبائع مجبور على أن يبيع غير الذي رضي يبيعه.
وهذا أيضًا مَمّا ينظر فيه، لأنّهما إذا استويا في الجهل بهذا الحكم، ودخلا على تأبيد ملك كل واحد منهما، فإنّ هذا يصير كعيب اطّلع عليه بعد العقد، والبائع والمبتاع يستويان في الجهل به، فصار ذلك كعيب وجد في باطن خشبة باعها، يعلم العيب إلاّ بعد كسرها، لكن هذا العيب الموجود في باطن الخشبة يستوي النّاس كلّهم في الجهل به، وهذا الذي ذكره في بيع التّفرقة وإن جهله هذان فإنه يعلمه غيرهما من النَّاس، فيجب الردّ به. لكن لأجل أن سبب هذا العيب لم يكن من البائع خاصّة بل هو والمشتري سيان فيه، يجب النّظر فيه من هذه الجهة، فقد يظهر أنّ ذلك كعيب لم يدخل عليه المشتري، ولو علم به لم يدخل عليه، فيكون له بذلك مقال. وقد ذكر ابن سحنون أنّ رجلًا سأل سحنونًا في رجل باع مملوكتين له، وفي ملكه أمّهما، وإحدى البنتين المبيعتين بلغت حدّ التّفرقة، والأخرى لم تبلغ حدّ التّفرقة؟ فأجابه سحنون بأنّ الصّغيرة إذا لم تكن وجه الصفقة مضى البيع في الكبيرة وجمع بين الأم وابنتها الصغيرة في ملك واحد. وإن كانت الصغيرة فسخ البيع فيها.