من في المحلّ الآخر لأجل كون هذا الشرط مختلفًا فيه. فكأن الاشتراط صادف محلاًّ قبل هذا الشّرط هو أصل الحكم فيه.
وقد يقال على هذا التعليل: إنّ تحويل هذا الخراج من محلّ إلى محل آخر، بأن يشترطه البائع إذا قيل: إنّه عليه على المشتري، أو يشترط المشتري إذا قيل: إنّه عليه على البائع، يقال الجواز على ما قلناه في تحويل الضمان في بيع السّلعة الغائبة من محلّ إلى محلّ.
فهذا مِمّا ينظر فيه فكأن أشهب لم يلتفت إلى ما يتصوّر من ضرر في هذا العقد، لكون المشتري يسقط ذلك منه إذا أسلم البائع، لأنّ الغالب عنده في أهل الكتاب أنّهم لا يتنقلون عن دينهم. فصار إسلامه، وإن جوز عقلًا، غير ملتفت إليه عند هاذين المتبايعين.
وأمّا أرض العنوة فإن المسلمين قد ملكوها بالغلبة عليها والقهر لأهلها، فهي من جملة ما غنموه. وقد قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ} (?) الآية. فاقتضى هذا أنّ الأربعة الأخماس للغانمين. ولهذا قال، في إحدى الرّوايات عنه: إنّ أرض العنوة تقسّم، أخذًا منه بعموم هذه الآية قياسًا على سائر ما أخذوه وغنموه من أموال أهل الحرب. وأيضًا فقد قسم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أرض خيبر لمّا فتحها عنوة (?). وقال مرّة أخرى: لا تقسّم لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فتح مكّة عنوة على مذهبه، ثم أجمعوا أنّه لم يقسمها (?). وقد ذكر عمر أنّ الرّأي عنده ألا تقسم أرض العنوة لأجل من يأتي بعد عصره من المسلمين كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} (?) الآية فذكر هذا بعد ذكره ما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (?).
ولهذا قال مالك: لا تباع مصر. لأنّها أقرّت لمن يأتي من المسلمين، وأرضها