أفاد نفي العقد. وتعلّقوا في هذا بما رواه أبو هريرة من أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن ابتاع شيئًا لم يره فهو بالخيار إذا رآه" (?) وهذا نصّ فيما قلناه. لكنّ الدارقطني طعن في بعض رواة هذا الحديث. وقال: إنّه كان وضّاعًا للحديث.
وقد اتفق على مطالبة المشتري بحكم العيب إذا اطَّلَع عليه، ومعنى اطلاعه على العيب أنّه علم فوت وصف من البيع فكان الخيار له.
وكذلك يكون له الخيار إذا فاته الوصف الذي بين المعاينة والخَبْر، ولا يؤثّر الاطلاع على العيب فسادًا في العقد لفوت هذا الوصف، فاقتضى هذا أنّ بيع الغائب لا يفسد، كما لا يفسد عقد البيع إذا اطّلع في المبغ على عيب فات المشترىَ حين العقد العلمُ به. وإنّما يثبت له الخيار. فهكذا يكون حكم الغائب.
ورأيتّ بعض أصحاب الشافعي حرّر قياسًا يمنع فيه من المناقضة بثبوت الخيار عند إلاطّلاع على العيب: بأنّ المبيع ثبت فيه خيار جملة النّقص، ولا يثبت في كل مبيع. وتحرز بهذا التقييد من أن يناقض بثبوت الخيار من جهة الاطلاع على العيب، وتحرّز بقوله: لا يكون في كل مبيع، من المناقضة بخيار المجلس، فإنّ المتعاقدين بالخيار ولو طال مجلسهما، وأمر افتراقهما غير محدود بطول أو قصر، ومع هذا فإنّ الخيار قد ثبت فيه لكل واحد من المتعاقدين، ولم يمنع من ذلك جهالة الأمر فيه، بخلاف خيار الرّؤية في بيع الغائب فإنّه خيار إلى أمد مجهول وإلى أمد طويل، والجهالة بأمر الخيار وطول زمانه تفسد العقد، فلو ثبت خيار الرؤية في بيع الغائب لوجب فساد العقد لطول أمد الخيار، والجهالة بمقداره.
ولمّا ردوا على أبي حنيفة مذهبه بأنّ ثبوت خيار الرؤية يجب أن يُفسد العقد، ناقضهم أصحابه بما أثبتوه من خيار المجلس. فاعتذر بعضهم بهذا الذي أشار إليه في تقييد قياسه: أنّ خيار المجلس يثبت في كل مبيع، وخيار الرّؤية في بيع الغائب لايثبت في كل مبيع.
وانفصل بعض أصحاب الشافعي بانفصال آخر وهو إن خيار المجلس