عندهم لو رضي من له الخيار بإسقاطه لسقط. والخيار الذي أثبته الشّرع في بيع الغائب لو أسقطه المشتري والتزم البيع من غير خيار قبل أن يراه لم يصح رضاه، فاقتضى هذا كون إثبات خيار الرّؤية يفسد العقد لما كان لا قدرة للمتعاقدين على إسقاطه والتزام العقد في الحال، وبخلاف خيار المجلس. وأمّا العقد على المبيع الغائب من غير رؤية تقدّمت ولا وصف له لكنه اشترط فيه خيار الرّؤية، فإنّ المعروف من المذهب عندنا جواز هذا العقد على حسب ما ذكره في المدوّنة. وذهب ابن القصّار والقاضي أبو محمَّد إلى منع هذا العقد، وأنكره أيضًا أبو بكر الأبهري. وقال:. إنه خلاف الأصول. تقديرًا من هؤلاء الذّاهبين إلى هذا أنّ أمر الخيار مجهول، والجهالة تقتضي فساد العقد، على حسب ما قدّمناه وبينّا ما قيل فيه من المناقضة والعذر عنها.
والجواب عن السّؤال الثالث أن يقال:
اختلف المذهب في ضمان المبيع الغائب إذا كان العقد صادفه سالمًا ثم هلك بعد العقد أو فسد. فعن مالك في ذلك ثلاث روايات:
إحداها أنّ ضمانه من مشتريه في سائر أجناس المبيعات.
والثانية، التي رجع إليها، أنّ ضمانه من بائعه وهو اختيار ابن القاسم لكن هذه الرّواية ذكرها ابن الموّاز على الإطلاق ولو كان المبيع عقّارًا. وذكرها في المدوّنة وهي على التقييد، بأن لا يكون المبيع عقّارًا.
وذكر ابن القاسم أنّه لم يختلف قول مالك وأصحابه في كون العقّار ضمانه من المشتري. وهكذا ذكر ابن حبيب أنّه لم يختلف قول مالك وأصحابه في كون العقار ضمانه من المشتري. لكن ابن الموّاز ذكر عنه كون الدّار الغائبة ضمانها من البائع. وألحق ابن حبيب بالعقار ما قربت غيبته من حيوان أو عرض أو طعام، ورآه في ضمان المشتري كالعقار.
فتلخص من هذا أربعة أقوال: كون الضمان من البائع على الإطلاق، أو على المشتري على الإطلاق، أو كون العقار من المشتري، وما سواه من البائع ولو كان قريب الغيبة. أو كون العقار من المشتري وما سواه من المشتري أيضًا