وأيضًا فإنّ الأمّة أجمعت على جواز السّلم، والذي يسلم فيه غير مرئي وإنّما هو موصوف، فلولا أنّ الوصف للشيء يحلّ محلّ عيانه ما جاز السّلم فيه. ولهذا لم يجز السّلم فيما لا تضبطه الصفة. ولو كانت الرّؤية شرطًا في صحة العقود على المبيعات لم يجز النكاح إلاّ بعد رؤية الزّوجة، وقد قال عليه السّلام: لا تصف المرأة المرأة لزوجها كأنّه يشاهدها (?). فأشار إلى كون الوصف يحلّ محلّ المعاينة. وإذا كانت المعاينة تُبيح العقد فكذلك ما أحلّه صاحب الشّرع محلّها. هذه نكت من صار إلى جواز بيع الغائب على الصفة.
وأمّا من منع منه فإنه يتعلّق بأنه - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع الغرر" (?). والاقتصار على الوصف دون المشاهدة غرر. وينفصل الآخرون عن هذا بأنّهم لا يسلمون كونه غررًا وإذا لم يسلّموه لم يلزم إثبات كونه غررًا، ولا يثبت ذلك مع ما قدّمناه من الأحاديث الدّالة على كون الخبر يحلّ محلّ المعاينة. واحتجّوا بأنّه - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع ما ليس عندك" (?) والسّلعة الغائبة ليست عند بائعها.
فاقتضى هذا الحديث منع العقد عليها. ويجيب الآخرون عن هذا بأنّ المراد ما ليس في ملكك ليس ما هو في ملكك غائب عنك، ألا تَرى أنّ ما لا تملكه لا يجوز بيعك فيه، ولو كان عندك. ودليل الحديث أنّ ما عندك يياع سواء كان ملكك أو ملك غيرك. والنّكتة التي يعول عليها عندهم في فساد العقد الاتّفاق على أنّ من شرط المبيع أن يكون معلومًا وطريق العلم ها هنا في المبيعات الرؤية لا الخبر، لأن خبر الواحد إنّما يفيد ظنًّا. ولو فرض ها هنا أخبار متواترة عن الوصف لم يحصل العلم بحقيقة المبيع الذي يحصل عن الرؤية. وكون المبيع عليها لم يتغيّر، ولو كان عليها حين العقد لأمكن أن يتلف العين بعد العقد وقبل القبض. وهذا الإمكان يرفع العلم وإذا ارتفع العلم صار المبيع مجهولًا وهذه النكتة قد فرغنا نحن من الجواب عليها فيما مضى. وينفصل عن