لكثرة الغرر فيه. وكأن البائع وصف ما لم يره، وإنّما وصف عن وصف آخرَ له.
وهذا يقتضي كثرة الغرر في هذا البيع ففسد. العقد فيه. بخلاف أن يكون الخيار للمشتري خاصّة دون البائع، جريًا مِمّن قال بهذا على ما قدّمناه من اعتبار خفّة الغرر وثقله وشدّته.
فأنت ترى نكتة هذه المذاهب وهي الالتفات إلى كون المعاينة للشيء والمشاهدة تفيد فيه زيادة على ما يستفاد من الخبر عنه، وهذا لا يكاد يختلف فيه على الجملة في أجناس من المبيعات.
فإذا علم أنّ المبيع من شرطه أن يكون معلومًا، وكونه مجهولًا يؤثر فيه فسادًا فهل هذا التقصير عن بلوغ الكمال في العلم به يلحقه بالمجهول بالكلية فيفسد البيع، كما قاله الشافعي في أحد قوليه، ويسلبه (?) اللّزوم دون الصحّة كما قال أبو حنيفة، أو لا يبلغ هذا التقصير عن الكمال في العلم به إلى إلحاقه بالمبيع المجهول فيصحّ البيع ويلزمه كما قال مالك رضي الله عنه، فهذا سرّ هذه المذاهب الثلاثة. وقد كشفنا عن ذلك وإنّما يبقى بعد ذلك النظر في استدلالات من قياس أو أثر يقتضي صحّة مذهب دون مذهب.
فأمّا الظواهر فإنّه يتعلّق من يجيز البيغ بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ} (?).
وهذا بيع يقتضى عموم الآية جوازَه. وقد ذكر ابن سحنون في ردّه على الشافعي أنّ ما ورد في الحديث المذكور فيه بيع الملامسة من نهيه عليه السّلام عن بيع السّلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها، يقتضى دليل الخطاب فيه أنهم إذا أخبروا عنها لم يُنْهَ عن عقد البيع فيها. وأيضًا فإن عثمان بن عفّان رضي الله عنه وعبد الرَّحمن بن عوف تبايعا فرسًا غائبة، وكذلك تبايع عثمان وطلحة رضي الله عنهما أرضًا غائبة، فقيل لعثمان إنّك غبنت. فقال: لا أبالي، لأن لي الخيار.
وحكم بينهما جبير بن مطعم، ولم ينكر أحد من الصحابة عليهم هذه البيوع.