لا يختلف في أن إقرار الوكيل غير لازم للموكل لنهيه. فإذا أطلق الوكالة على الخصام والاستيفاء والاستحلاف والإقرار، فإنه إذا أقر على موكله فإن الظاهر من مذهب الشافعي أن إقرار الوكيل لازم، لنص الموكل على الإذن فيه للوكيل.
لكن ذكر أبو حامد الإسفرائيني أنه إذا قال للوكيل: أقِرّ عليّ لفلان بألف درهم.
فإن هذا عندهم على وجهين: أحدهما: لزوم ذلك للموكّل لكون هذا القبول الصادر منه كتولّيهِ الإقرار بنفسه.
والوجه الآخر: أنه غير لازم, لأنه قصارى ما فيه أنه أمر الوكيل بأن يقول قولًا، ولا يكون أمره له بان يقول قولًا من الأمر، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لعمر، لما طلق ابنه عبد الله زوجته في الحيض: مره فليراجعها (?). فلم تكن الرجعة واجبة، عندنا، على عبد الله بن عمر لما كان الأمر له بذلك من أبيه.
بخلاف أن يقول النبي عليه السلام لأبيه: أخبره أن الله أمره بالرجعة، أو أني أمرته بها، أو يأمره - صلى الله عليه وسلم - شفاها. فكذلك قوله لرجل: أقرّ عني بألف درهم. فإن هذا لا يعدّ إقرارًا من الآمر، بل لا يتضمن سوى الأمر للوكيل بأن يقول هذا القول، وقول إنسان لا يؤخذ به آخر.
وهذا الذي قاله أبو حامد، واستشهد به في مسألة الرجعة، لا نوافقه عليه. بل مذهبنا أن المطلّق في الحيض يجبر على الرجعة, لأن قول النبي عليه السلام لأبيه: مره فليراجعها، الظاهر منه أنه أمره بتبليغ هذا الحكم وإخبار ولده به، وهكذا إذا قال: أقرّ عني، فالظاهر منه أن ما نطق به الوكيل هو كالنطق من الموكل، لقوله: أقرّ عني، فأضاف قول الموكل إلى نفسه. وقد وقع في العُتببة لأصبغ فيمن وكله رجل على خصام رجل في شيء، فإن إقرار الوكيل لا يلزم الموكل. قالوا: ولو أشهد له بأنه جعله في الإقرار عنه كنفسه فإن إقرار الوكيل يلزمه. وظاهر هذا أنه يقول (?) كذلك في اللفظ الذي حكيناه في قوله: أقرّ عني. وإن كان هذا اللفظ الذي ذكره أصبغ قيده بقوله: جعله في الإقرار كنفسه.