ومنهم من قال: لا يقبل، وفرّق بين قول الوكيل: إن موكلي قبض الحق وأبرأ منه، وبيْن قوله: كذب في دعواه أصل الحق. لأن تكذيب المدعي الموكل في دعواه يرفع أصل الوكالة، وإذا رفعها رفع ما تضمنته من قول الوكيل. بخلاف إِقْرارِهِ بأن الموكل قد قبض الحق بعد أن قبل الوكالة وأخذ الخصام.
وأما أبو يوسف فقدّر أن الموكل أحل الوكيل محلّ نفسه، وجعل لسانه كلسانه وقوله كقوله، فلما كان الموكل يؤخذ بإقراره، سواء كان بين يدي الحاكم أو غائبًا عنه، فكذلك وكيله.
وهذا يجاب عنه بأن الموكل إنما لزمه إقراره في الحالين بحكم حريته واستحقاقه في الشرع التصرف في ماله، ومؤاخذة الشرع له بأقواله فيه. بخلاف الوكيل الذي إنما يستحق النظر في هذا المال بإذن المالك لا بأصل الشرع، والمالك لم يأذن له فيه، والشرع لا تتعدى حدوده ومراسمه. والأب والوصي وإن جعل لهما الشرع في مال اليتيم، فإنه إنما جعل لهما ذلك في ما يعود بصلاحه، لا في ما يعود بضرره، فلم يجز إقرارهما على من في ولائهما (?) بحق عليهِ لمّا توليا المعاملة فيه اتباعًا لحدود الشرع في ما جعله إليهما.
وقد نوقض أبو حنيفة في المدعى عليه في ما يجب عليه فيه قصاص أو حدّ، فوكّل على المخاصمة عنه، فإن إقرار الوكيل لا يلزمه.
وانفصل عن هذا بأن الحدود تدرأ بالشبهات، والوكالة على الخصام إنما اندرج تحتها الوكالة على الإقرار بما ذكرناه من حكم التعلق تضمن هذا الخطاب (?) الذي هو مجاز، وهذه شبهة يدرأ الحد بها.
فإذا وضح مأخذ الخلاف في تضمن الوكالة الإقرار، فإن ذلك إنما يتصور الخلاف فيه مع الاقتصار على الوكالة على الخصام دون تصريح بالنهي عنه والإذن فيه. فمتى قال المُوَكِّل: وكلتك على الخصام، ونهيتك عن الإقرار. فإنه