شرح التلقين (صفحة 2035)

فأما مع غيبته فإن أبا حنيفة شرط في صحة العزلة حضور الموكل، قياسًا على المودَع، فإنه لا يخرج عن حكم الإيداع مغ غيبة المودع. وأيضًا فإن إجازة العزلة مغ غيبة ربّ المال إضرار به والإضرار ممنوع.

والحجة عليه أنه إذا كان لا يشترط رضاء الموكل في العزلة، لو كان حاضرًا، فلا فائدة في اشتراط حضوره، بل غيبته وحضورهُ سيان، إذا كان تمكّن الوكيل من أن يعزل نفسه وإنْ لم يرض الموكل. ألا ترى أن الزوجة لما لم يشترط في وقوع الطلاق عليها رضاها به لم يشترط حضورها بل يقع عليها وإن كانت غائبة. وأما المودَع فلا يُتصوَّر عزل نفسه إلا بردّ الوديعة لمالكها أو إخراجها لحاكم على وجه يسوغ للحاكم معه قبولها من المودعَ. وأما الوكيل فإنه إنما يفيد عزل نفسه قطعَ التصرف في المال الذي وكّل عليه، فذلك جائز ولا مانع منه. إلا أن يتعلق بالوكالة حق أو منفعة للوكيل أو لغير الوكيل، كمطلوب وكّل الطالب رجلًا على خصامه، وأشرفا على إنجاز الحكم، فإنه لا يمكِّن الموكِّل من عزل الوكيل إذا امتنع من ذلك المطلوب بما يلحقه من الضرر.

وأما إن كان الوكيل غائبًا فعزله الموكل، وبلغته العزلة وعلمها، فإنه يتحقق عليه حكمها، ويكون متعديًا في التصرف في المال الذي عزل عنه.

وأما إن لم تبلغه العزلة، وتصرف بعدها وقبْل العلم بها، فإن المذهب على قولين: هل يثبت حكم المنع من التصرف في باطن الأمر أم لا يثبت؟ وكذلك عند الشافعية قولان في هذا، أيضًا، واختار أبو حامد الاسفرائيني ثبوت حكم العزلة وإن لم يعلم بها الوكيل، قال: وبهذا نفتي. ومذهب أبي حنيفة أن العزلة لا يثبت حكمها حتى يعلم الوكيل بها.

وقد جرى الرسم في المذاكرات بين الفقهاء وأهل الأصول في إجراء هذه المسألة على اختلاف الأصوليين في النسخ هل يتحقق حكمه عند بلوغ الخطاب للنبي عليه السلام وإن لم يبلغه للمكلفين، أو لا يتحقق حتى يبلغه إليهم. وذُكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015