فوات ما وكّل فيه لا من جهة كونه له الانعزال. كما لو وكله على شراء عبد بعينه، فوجده قد عَتَق أو قد مات، فإن الوكالة بطلت من جهة فوت ما وكّل فيه لا من جهة الانعزال.
وأما قول أصبغ: إنها للموكِّل وإن أشهد الوكيل. فإن هذا أيضًا قد حاول بعض أشياخي أن يجعله قولًا ثانيًا في كون الوكيل لا يُمكّن من عزل نفسه. لكن هذا الترجيح أيضًا يُقدح فيه بما أشرنا إليه من كون الموكل قد لحقه الضرر في نقل ماله فلم تمكّن الوكيل من إلحاق الضرر به مع التزامه لما ينفعه لا لما يضره.
وأما سبب الاختلاف في عدم الإشهاد، هل يكون ذلك للموكل أو للوكيل، على ما حكيناه عن الثمانية لأبي زيد، فإن ذلك مبني على الأصل أن تصرّفات الإنسان لنفسه. كما يعارض الاحتمالات في كونه اشترى لنفسه أو للموكل. وكما نقول في تعارض الشهادات: إنه يرجح بالأعدل منهما.
وأما من ذهب إلى أن الشِراء للآمر فإنه استصحب الحال التي خرج عليها الوكيل فلم يبِن عنها إلا بتصريح من الوكيل.
وقد اختلف أصحاب أبي حنيفة في من وْكِّل على شراء سلعة فاشتراها،
فعند شرائه قال: إني اشتريتها لنفسي. فقال محمَّد بن الحسن: هي للموكِّل.
وقال أبو يوسف: هي للوكيل ..
وظاهر الأمرأن هذين الرجلين لم يختلفا، إذا وكِّل على شراء سلعة بعينها فاشتراها، أنها للاَمر، إذا اشتراها بغير تصريح لذكر من اشتراها له. لكون التعيين ترجيحًا، فيضاف إلى ترجيح الأصل وهو كون تصرف الإنسان لنفسه.
والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:
ذكرنا ما في المذاهب من حكم عزل الوكيل نفسه، وذكرنا ما ذكره ابن القصار من تمكينه من عزل نفسه، وعليه أبو حنيفة والشافعي. وهذا مع حضور الموكل.