في مثال ذلك ما جرى من نسخ القبلة التي كانت إلى بيت المقدس فحولت إلى الكعبة، فأتى وجل بعض الصحابة وهم يصلون، وضي الله عنهم، فأخبرهم أن القبلة قد حولت، فاستداروا، واعتدّوا بما مضى من الصلاة. وإن كان قد وقع منهم هذا الفعل بعد النسخ، في ظاهر الأمر.
وعلى هذا يجري في المذاكرات الاختلاف الذي وقع في خطيب خطب يوم الجمعة، وهو معزول ولم يعلم بالعزلة، هل يُعتَد بتلك الخطبة أم تعاد؟ فكذلك يجري الأمر في الوكيل فإن الإذن له في التصرف كالأمر به، والعزل له كالنهي. فيختلف فيه، أيضًا، هل يتحقق حكم النهي من المخلوق قبل العلم به. كما قلناه في نهي الخالق تعالى.
ومن الناس من ذهب إلى التفرقة بين ثبوت الناسخ ولم يعلم به المكلف، وبين مسألة الوكيل. فإن العبادات وأمور الديانات بخلاف المعاملات, لأن المكلف إذا أمر بالتوجه إلى بيت المقدس فإنه حرام عليه الصلاة لغيرها، ويؤثَّم إن فعل وهو مأمور بالصلاة إليها، فلا يتحقق كونه يثبت عليه حكم النهي عن الصلاة إليها. وأما تصرف الوكيل فإنه من المباحات، إن شاء تمادى عليه، وإن شاء تركه فيتوجه عليه حكم النهي عن التصرف. ولا مناقضة في ذلك لأنه كان له ألا يتصرف. ولم يمكن المصلي إلى بيت المقدس ألاّ يصلي إليها. فإذا باع الوكيل ما وكِّل على بيعه، وهو معزول ولم يعلم بالعزلة، فإن البيع يمضي على الموكِّل إذا قلنا بأن حكم العزلة إنما يتحقق بعد العلم، وإن قلنا: إن حكمها يتحقق قبل العلم كان للموكل أن ينقض البيع ويرتجع سلعته إن كانت موجودة، ويجري الأمر فيها على حكم الاستحقاق.
وقد ذكر ابن القاسم أن من وكِّل على قبض دين، ثم عزل عنه ولم يعلم بالعزلة، متى قبض الدين فإن المديان لا يبرأ في الدفع إليه.
وأشار سحنون إلى مناقضة من قال بهذا في الدين، وقال في البيع بإمضائه. والظاهر أنه اختلاف. وقد تقرر اختلاف المذهب في من أتلف مال