وبعض أشياخي يرى أن الخلاف في ذلك مسطور، ويتعلق بما رواه ابن نافع في المبسوط عن مالك فيمن أبضع مع رجل بضاعة ليشتري له بها سلعة بعينها، فذهب الوكيل فاشتراها، ثم قال، بعد شرائه: إني لنفسي اشتريتها. فإنه يقبل قوله، ويحلف إن اتّهم. وذكر في ثمانية أبي زيد عن عبد الملك بن الماجشون أن السلعة تكون للَامر، إلا أن يكون قد أشهد الوكيل حين الشراء أنه اشتراها لنفسه. فأما رواية المبسوط فإنها عنده تقتضي ما قاله ابن القصار من كون الوكالة غير لازمة للوكيل, لأنه جعل السلعة له وإن لم يشهد حين العقد أنه إنما اشتراها لنفسه وأنه قد انعزل. هذا وقد أدخل الموكِّلَ بالتزامه للوكالة في ضرر، وهو نقل ماله من بلد إلى بلد على أن يحصل للموكِّل غرضه بهذا النقل للمال، والتغرير به. ولو غرّر به وهو معتقد أنه يحمله إليه ليردّه لضمنه إن تلف. وأقلّ مراتبه أن يكون كالوعد، والوعْد إذا أدخل الواعدُ من وعَده به في ضرر لزمه الوفاء به.
فإذا كان هذا هكذا اتضح عنده أن هذه الرواية تقتضي ما قاله ابن القصار.
ألا تراهم قد قالوا في الوصي: إنه لا يمكّن من الرجوع عما قبله من الوصية بعد موت الموصي. ويمكّن من ذلك في حياته، لأجل أن الميت إذا مات قبل أن يرجع الوصي عن قبول الوصية دخل الضرر على اليتامى بانعزالة، فلم يمكّن من الرجوع، بخلاف رجوعه في حياة الأب.
وهذا الذي قاله بعض أشياخي صحيح من جهة أنه إذا أمكن (?) الوكيل من الانعزال مع ما يلحق الموكل من الضرر في هذا، فأحرى أن يُمكّن من الانعزال في ما لا ضرر فيه على الموكل.
لكن قد يقال ها هنا في العذر عن هذه الرواية: إنه إنما جعل السلعة لمشتريها لأجل أنه قد باع البائع منه على أن يملّكها للوكيل، فملكه إياها، وكونه اعتقد شراءها لنفسه استحالت الوكالة عليها، فسقطت الوكالة من أجل