وقيل أيضًا: إن كان المشتري هو متولّي الكيل لنفسه، كان الضّمان منه.
وكأن هذا قدّر أنّ اعتبار مضيّ زمن التّسليم والمناولة لمن لم يكن ذلك في يديه.
وأمّا إن كان في يد المشتري فقد حصل ما يراد من إمكان المناولة، فلم يجب اعتبارها.
وهكذا يختلف في هلاك ثمر بيع أو زرع بيع فهلكا بعد يبسهما وكمالهما، هل يكون الضّمان من البائع أو من المشتري، بناء على اعتبار مقدار مضيّ زمن المناولة وإمكان التّسليم إذا كان هلاكهما قبل إمكان التّسليم.
وقد قيل أيضًا في الزّرع والثّمر: إنّ شرط جذاذه على البائع فهلك بعد اليبس، فإنّ ضمانه على البائع. وإن شرط ذلك على المشتري كان الضّمان من المشتري. وهذا قدّر أيضًا أنّ الجداد والحصاد ضرب من التّوفية، فمن كان ذلك عليه، كان الضّمان منه. ولكن القائل بهذا المذهب لم ينكر (?) من يكون ذلك عليه إذا أطلق العقد، فعلّق هذا بما قد يرتفع الخلاف فيه، وهو اشتراط ذلك على البائع أو المشتري. وعلى هذ ابن ي بعض الأشياخ اختلاف قول مالك في بيع الغائب، هل ضمانه من البائع أو من المشتري؟ لكون ما بيع وهو غائب لا يمكن مناولته بعد العقد. فلم يحصل مِمّا يمكن تعليق الضّمان به سوى العقد.
فمن علق الضّمان بمجرّد العقد، كما قدّمناه، قضى بأنّ ضمان الغائب من المشتري وإن هلك عقيب العقد وقبل إمكان الوصول إليه. ومن اعتبر، في تعليق الضمان بالمشتري، مضى أمد المناولة والتّمكين لم يضمن ذلك المشتري إذا هلك الغائب عقيب العقد قبل أن يمضي من الزّمن ما يمكن وصول المشتري إلى الغائب فيقبضه. فإذا ذهب ما يمكن معه وصول المشتري إليه، ارتفع حكم الخلاف في اعتبار أمد التّسليم، لكونه حصل ها هنا ولم يبق إلاّ القبض، ونحن لا نوقف الضّمان على حصول القبض من مذهبنا، ومذهب الشّافعي وأبي حنيفة. ولكن بُني هذا الاختلاف في ضّمان المبيع الغائب على اعتبار مضيّ زمن التّمكين ومقدار التّسليم، يقتضي جريان هذا الخلاف في سائر المبيعات الغائبة