ولو كان عقارًا. وهذا إنّما يستمرّ على مذهب من قال من أصحابنا: إنّ العقار يختلف فيه القول عندنا، هل ضمانه من البائع أو من المشتري؟ وأمّا من قصر نقل الخلاف عن مالك على السلع والحيوان دون العقار، فقد ينهدم هذا البناء عليه، إلاّ أن يرى أنّ التّسليم في العقار يتصوّر بالعقد وزوال يد البائع عن المبيع الغائب، وهذا قد يتصوّر في العقار لكونه مِمّا لا ينقل ولا يزال به ولا يمكن نقل ذاته وتحويل مكانه. بخلاف السلع والحيوان الّتي يمكن تبدّل الايدي عليها بانتقال أمكنتها ومحالها. وقد قدّمنا نحن في بيع الطّعام قبل قبضه ذهاب من ذهب إلى منع بيع ما لم يقبض في السلع دون العقار، لكون السلع مِمّا ينقل ويزال بها بخلاف العقار. وإذا كان هذا الاختلاف في ضمان الغائب مبنيًّا على ما قدّمناه من اعتبار مضىّ أمد التّسليم، فمن اعتبره جعل ضمانه على البائع، ولكنّه أجاز اشتراطه على المشتري. ومن لم يعتبره، جعل ضمانه على المشتري، ولكنّه أجاز اشتراطه على البائع أيضًا. وهذا جاز فيه تحويل محلّ الضّمان على ما يوجبه الشّرع عند من ذهب إلى تحويله بالاشتراط لأجل ما عرض من الإشك الذي اعتبار قدر المناولة، ولأجل إشكاله، اختلف قول مالك فيه. فكأنّ مشترطه ألزم نفسه أحد مذهبين قال بهما مالك، فصار التزامه كإلزام حاكم له حكم عليه بأحد المذهبين. وإنّما يجوز هذا الاشتراط حال العقد. وأمّا لو استقرّ العقد وبَرَد، لم يجز نقل الضّمان عن محلّه عند من ذهب إلى تعيين أحد المحلّين له البائع أو المشتري. لأنّ هذا معاوضة على ضمان، ولا يجوز بيع الضّمان ولا شراؤه لما فيه من التّخاطر والغرر. وما جرى بين عثمان بن عفّان وعبد الرّحمان بن عوف، رضي الله عنهما لمّا اشترى عبد الرّحمان من عثمان فرسًا باثني عشر ألف درهم. ثمّ قال لعثمان: هل لك أن أزيدك أربعة آلاف على أن أجعل الضمان منك. ففعلا، إنّما كان ذلك لأنّهما إنما كانا متراوضين في انعقاد البيع، وإنّما استقرّا على انعقاده على أنّ الضّمان على عثمان رضي الله عنهما. وتلك الزّيادة إنّما زيدت ليستقرّ العقد لها ويرتفع ما كانا لديه من المماكسة والمراوضة. ولا يحسن أن يجري في هذا اختلاف أهل