إلى كون المشتري رهن العبد، وهو مِمّا لا يغاب عليه، هل يضمن هذا الرّهن الرّاهن أو المرتهن؟ وهذا ظاهره مخالف لما تقتضيه الرّوايات المشهورة في كون ما لا يغاب عليه. لا يضمن. ويبعُد تأويل روايات مشهورة على مذهب شاذّ.
وقد كنّا قدّمنا قبل هذا أنّ طرق الاستدلال أنّه اتّفق على أنّ الخراج الحاصل عقيب العقد للمشتري، فاقتضى كون الضّمان يكون منه لقوله:
(الخراج بالضّمان). ونبّهنا على ما قال أصحاب الشّافعي في هذا. وما ذكر من الاتّفاق عليه لا يسلمه بعض أشياخي ويرى أنّ الرّوايات بخلافه، وأنّ الّذي يحدث بالمحتبسة بالثّمن من عيب ونقص يجري على الخلاف في ضمانها.
وكذلك ما يكون لها من غلّة يجري على الخلاف أيضًا في ضمانها. فإن قيل: إنّ الضّمان من المشتري، كان الخراج له والغلة، لأجل ضمانه. وإن قيل: إنّ الضّمان من البائع، كان الخراج له والغلّة، لأجل ضمانه، ولو كانت الغلّة كراء دار أو إجارة عبد. وسننبّه على هذا في بيع الغائب إن شاء الله تعالى.
وقد كنّا حكينا أنّ بعض المتأخّرين ذكر الاختلاف عن مالك، وإن لم يمنع البائع من التّسلِيم. فإن أراد أنّ هذا الاختلاف يتصوّر ولو مكّن من التّسليم، فوجهه عندي ما قدّمته. وإن أراد أنّه لم يمنع من التّسليم ولا مكّن أيضًا، وافترق المتبايعان على غير تصريح بأحد هذين الوجهين، فإنّه يصحّ ما أراد على أنّها كالمحتبسة لما كان له حبسها. وقد ذكرنا ما وقع في مختصر ابن شعبان من الاستدلال على أحد الوجهين بحال المشتري هل هو معروف غني أو غريب فقير؟ وقد اختلف المذهب أيضًا في المكيال إذا امتلأ بالزّيت فأهراق بفور امتلائه، هل يكون من البائع أو المشتري؟ وهذا يجري على الاختلاف في اعتبار انتقال الضّمان بقدر المناولة بعد العقد أو اعتباره بحصول العقد خاصّة. فإن اعتبرنا العقد بمجرّده، كان ضمانُ ما اكتيل وبلغ نهاية الكيل، ثُمَّ هلك قبل إمكان المناولة، من المشتري. وإن اعتبرنا مضيّ زمن المناولة، كان ذلك من البائع. وفي هذا المكيال الّذي أهريق عقيب كماله قولان مبنيّان على ما ذكرناه.