فإن هذا يسقط فيه اعتبار الرّبا. وإنّما يعتبر فيه ألاّ يقع فيه تراخ, لأنّه إذا وقع فيه تراخ، أو وقع (?) في بيع الطّعام بالطّعام على خيار وتراخ، فلا يجوز ذلك كما لا يجوز ذلك في الصّرف. ولو كان هذا الطّعام لا ربا فيه، صنفين لمنع التّخيير، لما قدّمناه من كونه من بيعتين في بيعة. وقد ذكر في الحاوي أنّه لا يجوز التّخيير في الطّعام. وتأوّله الشّيخ أبو القاسم ابن الكاتب على ما وقع فيه تراخ، لأجل ما نبّهنا عليه من اشتراط المناجزة في هذا وفي الصّرف.
ولو كان المختار من هذا الطّعام، الّذي فيه الرّبا أو لا ربا فيه، بيع على الكيل لم يكن في التنقّل بيع له قبل قبضه، وإن كان على الكيل، لكون هذا كالمبادلة. وقد قدّمنا في كلامنا على بيع الطّعام قبل قبضه ما يجوز في ذلك وما يمنع، وأن أخذ سمراء من محمولة كيلًا متساويًا جائز، لكونه مبادلة لا مبايعة.
وينبغي أن يعلم أنّا نجيز للمشتري اشتراط اختيار عدد من جملة متماثلة. وسواء كان العدد المشترى أكثرَها أو أقلَّها، مثل أن يشتري ثوبًا يختاره من عشرة أثواب، أو يشتري تشعة أثواب يختارها من عشرة.
وأمّا البائع فإنّه يجوز له الخيار إذا اشترط اختيار الأقلّ في العدد. مثل أن يبيع عشرة من الثِّياب على أن يختار ثوبًا أو أربعة. وأمّا إن اشترط خيار ثمانية أو تسعة، فإنّه يمنع من ذلك عند ابن القاسم، ولا يمنع منه عند سحنون، لكون المشتري مفتقرًا إلى اختيار المبيع واشتراط الخيار فيه، فلا يتّهم أنّه قصد الغرر والتّخاطر لأجل حاجته إلى الخيار، والبائع في الغالب مستغن عنه، فإنّما يجوز له منه ما لا يتصوّر فيه القصد إلى الغرر غالبًا، فإذا اشترط البائع اختيار ثوب أو ثوبين من عشرة، فإنّ المشتري يعلم أنّ جلّ الصفقة تبقى له، فلا يتحسّس إلى العدد الّذي يختاره البائع. فإذا اشترط البائع اختيار سبعة أو ثمانية، تَحسّس المشتري إلى ذلك لو قدّر أنّه إنّما يحصل له رديء الثياب. وأمّا سحنون فإنه رأى أن لا فرق بين البائع والمشتري في هذا، وفي احتياجهما إلى شرط الخيار،