ومن الوجوه الممنوعة أيضًا التخوّف من الوقوع في الرّبا، مثل أن يشتري رجل ثمرة نخلات يختارها من ثمر نخل كثير، لكن ثمر النّخل كلّه صنف واحد, لأنّه إذا كان من صنفين صار من بيعتين في بيعة، ولحق بما تقدم بيانه.
وإذا كان من صنف واحد منع أيضًا لعلّة أخرى، وهو أنّ المشتري يمكن أن يختار نخلة، ثمّ ينتقل بعد اختياره لها إلى نخلة أخرى، وثمرة النّخلتين لا يتساويان في المقدار، فيكون قد باع ثمرة الأولى بثمرة الثّانية وبينهما تفاضل، فيقع في الرِّبا والرّبا محرّم. ولو كان الخيار لبائع ثمرات هذا النّخيل لكان فيه اختلاف. فأمّا مالك فإنّه أجازه، قال: كما يجوز ذلك في اختيار كباش من جملة غنم باعها. وقال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك، ولكنّه إن وقع لم أفسخه.
مراعاةً منه لمذهب مالك.
وهذا الاختلاف خُزج على اختلاف أهل المذهب في المستثنى هل هو مُبقًى على ملك البائع أو مشترى من المشتري؟
فإذا قلنا: إنّ المستثنى مبقًى، فلا يمنع من هذا في جنبة البائع، لكونه أبقى ما اختار على ملكه، وإنما باع ما (?) بعد ما يختاره، فلا يتصوّر في هذا الرّبا.
وإن قلنا: إنّ المستثنى مشترى من المشتري، فيمنع كما قال ابن القاسم.
كما اتّفق هو ومالك على منع شراء ثمر نخلات يختارها.
وقد وقع لابن القاسم ما يقتضي خلاف هذا الّذي بنينا عليه هذه المسئلة، وذلك أنّه قال فيمن باع دارًا واستثنى سكناها سنة فانهدمت الدّار، فإن البائع لا يرجع على المشتري بقيمة السكنى لكونه أبقاها على ملكه لم يبعها، وما كان على ملكه فلا يضمنه له غيره. وإن كان أصبغ قد قال في هذه المسئلة: إن البائع يرجع على المشتري بقيمة السكنى. وقدّر أنّ البائع باع الدّار بمائة دينار مثلًا وبسكناها سنة، والسكنى تساوي عشرة دنانير، فكأنّها عرض أضافه إلى الثّمن، واستحق من يديه، فيرجع بقيمته على من باع منه داره، على حسب ما توجبه