وهذا التأويل تقتضيه الأصول لأنّ الأصل منع بيع الغرر إذا كان الغرر مقصودًا. فإذا عقد على عبد من أحد عبدين أو ثوب من أحد ثوبين، فإنّ التّخيير في ذلك لا يتضمّن غررًا في هذا العقد، لأنّا إنّما نجيز هذا إذا تماثل الشّيئان المخيّر في أحدهما. وقد سامح في ذلك مالك، وإن اختلفت قيمة الثّوبين، فقال فيمن اشترى عددًا من ثياب في - عدل يختارها، إنّ ذلك جائز، إذا وصف ما في العدل من الثّياب، وإن اختلفت قيمة الثّياب. قال: ولكن بعد أن تكون مَرويّة كلّها أو هَروبة كلها. فأشار بهذا أنّ اختلاف أجناسها يتضمّن غررًا مقصودًا، فينهى عنه لما ورد في الحديث من النّهي عن بيعتين في بيعة (?).
فكذلك ما ذكره في مسئلة العبدين، وتأوّلنا ما وقع في المدوّنة عليها, لأنّه إذا لم يعين العبد المردود عند الأجل، واستخدم العبدين طول الأجل، فإنّه لا يعلم كيفيّة تأثير الإستخدام في كلّ واحد منهما, ولا ما يحدث عليه من التغيّر في خلال الأجل، فيصير المستمسك به مجهولًا صفته، والمردود أيضًا كذلك، وهذا غرر يمنع منه، ويقتضي أن يشترط في جواز هذا العقد أن يعيّن قبل الشّروع في الاستخدام من يستخدمه بحقّ الملك ومن يستخدمه بحقّ الإجارة.
وإن لم يفعل ذلك ووقع العقد عاريًا من التّعيين، واستخدمهما ملكًا في خلال الأجل، فإنّه يضمن نصف قيمتهما، لكون أحدهما بيع بيعًا فاسدًا والآخر استؤجر إجارة فاسدة ولم يعلم هذا من هذا، فيضمن نصف قيمتهما جميعًا، لكون كلّ واحد منهما يصلح أن يكون محلاّ في هذا العقد الفاسد.
والجواب عن السؤال الخامس عشر أن يقال: أمّا الوجوه الّتي تمنع في اشتراط التّخيير في التّعيين، فإنّا قدّمنا الكلام على بعضها. وهو شراء صنف من صنفين مختلفين على إلزام البائع ما اختار المشتري منها. وذلك لما قدّمناه من كون العقد على هذا يتضمّن غررًا مقصودًا.
ومنه ما فرغنا الآن من الكلام عليه في مسئلة العبدين المذكورة في المدوّنة.