بحكم الأمانة، فلمّا تساوى فيه الأمْرَان قسم الضياع فيه، على أصله في كونه لا يَضْمن، إذا ضاعا جميعًا، إلاّ ثوبًا واحدًا، فكذلك إذا ضاع أحدهما لا يضمن إلاّ نصف ثوب.
وأمّا أشهب، فإنّه يضمَّنه الضّائعَ كلَّه، لكونه يضمنها جميعًا إذا ضاعا.
فإن قلنا أنّه لا يضمن إلاّ نصف ثوب، كان له ردّ الثّوب الآخر بحكم مقتضى الخيار الّذي عقد عليه من كونه لا يلزمه واحد منهما إذا شاء.
وإن أراد الإستمساك بحكم مقتضى الخيار في كونه له أن يمسك أحد الثّوبين، فإنّ ابن القاسم مكّنه من ذلك وفي الموّازيّة أنّه لا يمكن منه, لأنّه إذا مكّناه من ذلك، صار اشتراؤه ثوبًا واحدًا، فأخذ ثوبًا ونصف الثّوبَ الباقيَ بحكم اختياره الآن، ونصفَ الثّوب الّذي وَزَنَ نصفَ ثمنه يتّهم على أنّه حبسه، فصار اشترى ثوبًا واحدًا من ثوبين فأخذ ثوبًا ونصفًا. فكأن من ذهب إلى هذا حمل عليه أنّه لم يضع له الثوّب ولكنّه حبسه، فصار بحبسه وغرامة نصف ثمنه كمن اشترى ثوبًا وأخذ ثوبًا ونصف ثوب.
وكأن ابن القاسم قدّر أنّه لمّا حلف على الضّياع، صدق في ذلك. وإنّما غرم نصف الثّمن بحكم الضّمان لا بحكم الشّراء. فلا يقدّر أنّه اشترى هذا الثّوب لمّا غرم ثمنه بحكم التّضمين، فيقضى له بإمساك جميع الثّوب إذا شاء كما يقضى له بردّ جميعه. ولم يظنّ به أنّه حبس نصف الثّوب، فصار مشتريًا لنصف ثوب، وإنّما بيع منه ثوب كامل إذا شاء.
ولأجل هذا قلنا، فيمن اشترى ثوبين على أنّه بالخيار في قبولهما أو ردّهما فضاع أحدهما: إنّ له ردّ الثّوب الباقي. ولو ظنّ أنّه حبس الّذي ادّعى ضياعه، لم يكن له ردّ الثّوب الباقي، كما ليس له ردّ أحد الثّوبين وإمساك الآخر.
وقال بعض الأشياخ: لو ضاع أحد هذين الثّوبين اللّذين اشتراهما بالخيار بين قبولهما أو ردّهما، فإنّه إنّما يمكن من ردّ الباقي إذا لم يكن الّذي زعم أنّه ضاع وجهَ الصفقة وجلَّها. لأنّه إذا كان الّذي زعم أنّه ضاع وجه الصفقة وردّ الثّوب الباقي وهو أقلّها في القيمة، صار مضرًّا بالبائع في ردّه عليه أقلّ الصفقة،