وأشهب يضمنه الثّوبين جميعًا. وذكر في الموّازيّة عن ابن القاسم قولًا ثالثًا في هذا، فقال، فيمن اشترى ثوبًا من أربعة ثياب فقبض الأربعة، فضاعت في يديه، إنّ البائع إن كان هو المتطوّع بدفع الجميع ابتداءً منه، فإنّ المشتري لا يضمن إلاّ واحدًا منها. وإن كان المشتري هو السائل في تسليم الأربعة إليه ليختار ثوبًا منها، فإنّه يضمن جميعها.
وأشار ابن الموّاز إلى أنّه لا فرق بين أن يقبضها المشتري عن سؤال منه للبائع أو عن تطوّع البائع بذلك من غير سؤال، لكونه إنّما دفع جميعها حرصًا على البيع.
وسبب هذا الإختلاف أنّه قد علم أنّ أحد الثّوبين مردود للبائع بلا بدّ، والآخر يخيّر فيه المشتري، والمردود بلا بدّ حكمه حكم الأمانة لمّا كان لم يقبضه المشتري على بتات البيع فيه ولا على خيار، والثّوب الآخر قبضه على خيار فيه، وقد علم أنّ ما قبض على جهة الأمانة لا يضمن، وما قبض على جهة الخيار يضمن. وهذان الثّوبان لم يتميّز منهما ما هو أمانة مِمّا هو مقبوض على خيار، فوجب أن يضمن أحدهما، لكونه قد علم على الجملة أنّ أحدهما مقبوض على خيار. فكأن صاحب هذا المذهب اعتبر مآلَ هذا العقد، وهو كون أحد الثّوبين مردودًا بلا بدّ، فتحقّقت فيه الأمانة لأجل هذا.
وأمّا من ضمَّن المشتري الثّوبين جميعًا، فإنّه اعتبر الحال ولم يعتبر المآل. وقد وقع العقد على أنّ له التنقّلَ من أحدهما إلى الآخر مقتضى الخيار، والمبيع بالخيار مضمون، فكأن كلّ واحد من الثّوبين عقد عليه بانفراده على الخيار.
وأمّا ما وقع من التّفرقة في الموّازيّة، فكأنّه قدّر أنّ البائع إذا كان هو المتطوّع بدفع الثّياب، فإنّ ذلك لم يقع منه إلاّ لمنفعة نفسه، وليتمّ له البيع، فغلب في الثّلاثة الأثواب حكم الأمانة. وأمّا إذا كان المشتري هو السائل في قبض الجميع، فإنّ البائع لا منفعة له في تسليم الجميع بل لمنفعة المشتري