وهذا الّذي أشار إليه بعض أشياخي من تأويل ابن كنانة قد تغني عنه الطّريقة الّتي أريناك نحن في الإعتذار منه.
وقد ذكر ابن حبيب عن مالك في هذا أنّه يغرم ثمن الثّوب المقطوع، ويغرم قيمته، ويَقسم هذه القيمة، وهذا الثّمن، المتبايعان جميعًا. كأنّه قدّر أنّ البائع إنّما التزم بالقطع ثمن الثّوب لكونه التزم الشّراء لما قطع الثّوب، فلا يلزمه إلاّ ثمن واحد. ولكنّه لمّا أتلف على الآخر أخْذَ عين الثّوب الّذي باع منه، ولم يرض بالشّراء منه، وجبت عليه القيمة، فوجب من هذا وجوب مطالبة المشتري بثمن وبقيمة، وقد جهل من يستحقّ منهما الثّمن، ومن يستحقّ القيمة، فوجب أن يُقسم جميع ذلك بينهما.
وإذا قلنا بالتّضمين، فإنّه لا بدّ أن يحلف البائعان، فإن نكلا عن اليمين، سلّم المشتري إليهما الأرفع، وبقي الثّوب الأدنى موقوفًا حتّى يفعل فيه الواجب.
والجواب عن السؤال الرّابع عشر أن يقال: أمّا العقد على ثوب من أحد ثوبين، فإنّه إن كان الثّوبان متماثلين، والثّمن شيء واحد، فإنّ ذلك جائز إذا صرف الخيار في ذلك إلى المشتري، لكون التّماثل في المثمون وفي الثّمن يرفع الغرر.
وأمّا إن اختلف المثمون مثل أن يعقد على ثوب أو دابّة يختار المشتري أيّهما شاء، فيلزم البائعَ العقدُ فيه، فإنّ ذلك لا يجوز لما يحصل فيه من الغرر والمخاطرة من جانب البائع، لكونه لا يدري ما الّذي باعه بدينار هل هو ثوب أو حمار؛ وهذا فيه خِطار.
لكن لو كان المشتري إذا اختار الثّوب أو الحمار، عاد الخيار أيضًا للبائع، في إمضاء العقد أو ردّه، لجاز ذلك لارتفاع الغرر لعدم إلزام البيع للبائع.
وكذلك إن اختلف جنس الثّمن وتماثل المثمون، فإنّ حصول الغرَر وارتفاعه جار على ما فصّلناه.