ولو جعلنا الخيار أيضًا للبائع في ممانعة المشتري على الخيار مِمّا أراد لكان نقضًا لما قرّرناه من مقتضى العقد.
فإذا أراد المشتري أن يمضي العقد والبائع غائب، فإنّ ذلك له.
وإن أراد أن يفسخه فاختلف النّاس في ذلك. فذهب مالك والشّافعي وأبو يوسف إلى أنّ ذلك له. ومذهب أبي حنيفة ومحمّد ابن الحسن إلى أنّه لا يمكن من ذلك.
وأشار ابن القصّار إلى أنّ مذهب أبي حنيفة مِمّا يحتمله مذهبنا. وذكر أنّ مالكًا اختلف قوله في جواز تصرّف المشتري في السلعة إذا اختار إمضاء الشّراء، فمنعه مرّة حتّى يعلم البائع، وأجازه مرّة أخرى إذا أشهد. وهذا الّذي قاله إنّما يتّضح إذا تكلّمنا على أحكام تصرّف المشتري بالخيار. وهذا الّذي ذكره مِمّا يفتقر إلى بسط.
لأنّ إجازة المشتري لا تفتقر إلى حضور البائع. وإنّما الخلاف الّذي حكيناه عن فقهاء الأمصار في اشتراط حضور البائع في الفسخ، قياسًا عندهم على العُنّة الّتي توجب فسخ النّكاح إذا طلبت ذلك المرأة، ولا يصحّ الفسخ إلاّ بحكم. وقد اعتمد من نصر مذهبنا ومذهب الشّافعي في أنّ الفسخ يصحّ وإن لم يحضر البائع، يكون الإجازة تصحّ وإن لم يحضر، وكذلك الفسخ، لا سيما إذا قلنا إنّ الخيار إنّما هو موضوع للإجازة عندنا لا للفسخ، كما قاله أبو حنيفة والشّافعي.
وإذا كان إنّما وضع للإجازة فإنّ التّقدير أَلاَّ عقد بينهما فيفتقر فيه إلى حضور البائع. وأيضًا فإنّ البائع إذا حضر ولم يرض، لم يلتفت إلى عدم رضاه باتّفاق، وإذا كان لا يلتفت إلى رضاه، فكذلك لا يلتفت إلى حضوره، ألا ترى أنّ الطّلاق لمّا لم يعتبر فيه رضي المرأة لم يعتبر حضورها، وهو أيضًا حلّ لعقد النّكاح. وإنّما افتقرت العنة إلى فسخ الحاكم للنّكاح لأنّها مسئلة من مسائل الإجتهاد، فلهذا افتقرت إلى قضيّة قاض. وعزلة الوكيل نفسه على القول بتمكينه من ذلك يجري على الخلاف في افتقارها إلى حضور الموكّل على حسب ما قدّمناه.