يجعل البائع الخيار للمشتري، بمعنى أنّه أراد أن يجبر المشتري في أن يلزمه شراء ما كان باعه بالأمس منه إن شاء ذلك، وإن شاء لم يلزمه.
ولو هلكت هذه السلعة في أيّام الخيار والمشتري هو الّذي جعل الخيار للبائع، لكان ضمانها من المشتري, لأنّه كان بالأمس مشتريًا لهذه السلعة على البتّ وهو اليوم بائع لها على خيار من اشتراها منه، وهو الّذي باعها بالأمس منه. ولو كان البائع هو الّذي جعل الخيار للمشتري، على حسب ما فسرناه، لكان ظاهر المدوّنة والمذهب أنّ الضّمان من المشتري أيضًا، لكونه كبائع باع له على الخيار.
وخالف في هذا المغيرة، ورأى أنّ الضّمان ها هنا من هذا البائع الّذي خيّر المشتري، وحكَّمه في ردّ هذه السلعة إليه إن شاء، لكون هذا العقد الثّاني لمّا وقع في هذه السلعة على الخيار، وقد كان وقع فيها قبل ذلك على البتّ، صار العقد الثّاني كالملحق بالأوّل، فكأنّ العقد الأوّل وقع أيضًا، وإذا كان قد وقع أيضًا على الخيار، فالضّمان من البائع.
وإنّما ذكرنا حكم الضّمان ها هنا والخلاف فيه لأنّ فيه ملاحة لما حكيناه من اختلاف شيخنا وغيره, لأنّا ذكرنا أنّ من خالف شيخنا قدّر أنّ هذا العقد الثّاني كالمقارن للعقد الأوّل على رأي المغيرة، وإذا كان كالمقارن له اقتضى هذا أيضًا أنّ معنى الخيار كون هذه السلعة الّتي عقد فيها البيع على البتّ لا ينقد ثمنها، وإنّ ما عقد فيها أخذها عوضًا عن الثّمن إذا شاء من خيّر فيها. على المذهب الآخر المعتبر كلّ عقد بحكم نفسه لا يتصوّر ما قاله شيخنا من كون العقد الأوّل يقتضي دفع الثّمن، وعقد الخيار يقرّ على حكم نفسه.
والجواب عن السؤال السادس أن يقال: إذا أراد المشتري بالخيار أن يمضي البيع والّذي باع منه حاضر، فإنّه يمكّن من ذلك. وكذلك إذا أراد فسخه، ولا يلتفت في هذا إلى رضا البائع بالإجازة أو الفسخ. وهذا لا خلاف فيه لأنّه مقتضى كون العقد منبرمًا من جانب أحد المتعاقدين، ومخيّرًا فيه من جهة أخرى.