شرح التلقين (صفحة 1764)

لأجل هذا الخيار، على ما تقدّم بيانه من الخلاف في بياعات الآجال، لأجل التّهمة على التحيّل على ضمان بعوض، على حسب ما قدّمنا عن أشهب. فلمّا اجتمعا عنده في أنّ المنع للتّهمة، وجب أن يجتمعا في حكم الفسخ.

وهذا الّذي قاله، رحمه الله، لا يصحّ على طريقة من حكينا عنه، فيما تقدّم، أنّ الأجل البعيد إنّما منع في بيع الخيار لما تضمّنه (?) الغرر. لأنّ الفسخ لأجل الغرر ليس لأجل التّهمة، بل لورود الشّرع بالمنع منه. وكذلك على طريقة من علّل بأنّ علّة المنع كون الخيار المشترط كالمناقض لمقتضى العقد وكان الأصل منعه وقد قال الشّافعي، رضي الله عنه، لولا ورود الخبر بجواز الخيار ثلاثًا ما أجزنا من الخيار ما قلّ من أيّامه أو كثر.

وأمّا طريقة أشهب في التّعليل بالتّهمة، فيمكن أن يكون ذكر هذه العلّة، وهو ملتفت إلى غيرها من العلل الّتي قدّمناها، فيجب عنده الفسخ، خلاف بياعات الآجال الّتي لا تعلّل بأكثر من التّهمة.

وقد تقدّمت الإشارة إلى سبب اقتصار أبي حنيفة والشّافعي على كون الخيار ثلاثًا، لحديث المصراة، الّذي ذكره، لكون الثّلاث في حكم القليل، والقليل من الغرر يعفى عنه بخلاف الكثير.

وأمّا مالك رضي الله عنه، فإنّه يرى أنّه لم يرد خبر بالمنع من اشتراط الزّيادة على ثلاثة أيّام، وحديث المصراة ليس بنصّ في المنع من الزّيادة على ثلاثة أيّام، ولا الخيار المذكور فيه مشترط في أصل البيع، وإنّما علّته ما سننبّه عليه في كلامنا على التّصرية، إن شاء الله تعالى. وإذا لم يثبت عنده دليل بالمنع، وكان أصل الخيار إنّما أجيز لأجل الحاجة إليه، وجب أن يكون يجوز أن يضرب من الأجل بقدر ما يحتاج إليه من أجناس المبيعات. ومعلوم من جهة العادة أنّ الأجل في ذلك لا يتساوى، وإمكان مقتضى الأصل أن يباح منه كلّ ما دعت الحاجة إليه، والحاجة إليه تختلف باختلاف الأجناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015