وكذلك ما جعله عليه السلام لحبّان بن منقذ لمّا قال له: "إذا بايعت - فقل لا خِلابة" (?) وذلك للخيار -ثلاثًا- لكنّ هذا الحديث إن حملوه على أنّ المراد به بايعت بمعنى اشتريت، لكونهما عثرا على قصّة تشكَّى الغبن فيها وهو مُشْتَرٍ، أو لغير ذلك، كان الإستدلال به مثل حديث المصراة. وإن لم يكن الأمر كذلك، فقدله: بايعت، يقتضي عمومُه كونَه بائعًا أو مشتريًا. ويتضمّن عمومه جواز الخيار للبائع، على ما سننبّه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وإذا تقرّر أنّ اشتراط الخيار إنّما سُمِحَ به لأغراض، أحدها: الحاجة إلى اختبار المبيع. فإنّ اختباره يحوج إلى تسليم المبيع للمشتري، إذ لا يمكن اختباره في غالب الأمر وهو في يد البائع. فإذا بيّن المشتري للبائع أنّ غرض في اشتراط الاختيار الاختبارَ، مكَّن من قبض المبيع، وصار ذلك كالشّرط على البائع. وإن بيّن له إنّما اشترطه ليرى رأيه في إمضاء عزيمته لا لاختبار المبيع، فإنّه لا يسلم إليه لكونه لا حاجة به، والحالة هذه، إلى قبض. ولا يلزم البائع أن يخرج ملكه من يده من غير حاجة المشتري إليه.
وينبغي إذا اختلف الحكم في تسليم السلعة إليه أن يبيّن حين العقد الغرض في اشتراط الخيار لئلاّ يتنازعا في تسليم السلعة. فإن لم يبيّن ذلك حين العقد، فإنّ بعض أشياخي رأى أنّ الحكم أن لا تسلّم السلعة للمشتري, لأنّ ظاهر اللّفظ في قوله: أَشتَري لي منك بالخيار، يقتضي أنّ الخيار في إمضاء العقد أو ردّه.
وهذا الّذي قالت له ثبت أنّه المتفاهم بين المتعاقدين صِير إليه. وأمّا إن لم يثبت ذلك وادّعى كلّ واحد منهما أنّ قصده خلاف قصد صاحبه، فإنّ هذا لا يصحّ أن يقضي فيه برجوع أحدهما إلى الآخر. وربّما اقتضى فسخ البيع، على ما سننبّه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى، إذا تكلّمنا على الأصل الّذي يؤخذ منه.