والجواب عن السؤال الثّاني أن يقال: اختلف في بيع الخيار، هل هو أصل من الأصول في نفسه، أو رخصة خارجة عن الأصول؟ فمن النّاس من يشير إلى أنّه أصل في نفسه مناسب للأصول, لأنّ القصد بإباحة المعاملات والتّجارة طلب الرّبح وتحصيل الفوائد. وإنّما تحصل الأرباح والفوائد مع نفي الغبن في البيع في حقّ المغبون. فإذا جعل له الخيار فيما عقده على نفسه من بيع، كان ذلك أقرب إلى تحصيل المقصود بالتّجارة من طلب الفوائد والأرباح، ونفي الغبن عن المغبون إذا ظهر له في مدّة كونه مخيّرًا أنّه قد غُبِن ففسخ البيع (?).
فهذا معنى مناسب للأصل الّذي وضع في التّجارة.
ومنهم من يشير إلى أنّه كالرّخصة الخارجة عن الأصول. وذلك أنّ الغرر نُهي عنه في البياعات. وإثبات الخيار وإباحة اشتراطه في عقد البيع يُحدث في البيع غررًا.
وإلى هذه الطّريقة أشار مالك، رضي الله عنه، فقال، في علّة منع اشتراطه (?) أجل طويل في الخيار: لا يدري كيف تكون السلعة عند انقضاء أمد الخيار ولا كيف ترجع إليه. ومراده بهذا أنّ الأجل إذا كان طويلًا مثل أن يبيع عبدًا بشرط الخيار سنة أو سنتين، فإنّه لا يدري كيف يكون العبد عند انقضاء السنتين، هل يحدث به عيوب فيردّه المشتري وقد نمى (?) في يديه؟ وكذلك إذا كان الخيار للبائع، فإنّه لا يدري المشتري، هل يمضي البائع البيع؟ وقد يقرّ (?) العبد بنقص كثير. وهذا يُصيّر حالة الإمضاء للبيع كالمعاقدة على أمر مجهول، فالجهالة بالبيع تفسد العقد.
ومن النّاس من يشير إلى أنّ بيع الخيار يخرج العقد عن مقتضاه. وذلك