للنّادم الخيار ما دام في المجلس، وجعل غاية هذا المجلس كأوّله، وقد كان أوّله قبل انعقاده كلّ واحد منهما بالخيار، فكذلك غايته وآخره.
وأجابهم الآخرون عن هذا بأنّ هذا النّدم يمكن الإنسان أن يتحرّز منه بأن يجود رؤيته قبل أن يلتزم البيع. فإن لم يفعل فهو المفرّط في حال نفسه. ولا حاجة إلى تحسين الشّرع النّظر له. ويمكّن أيضًا إن بادر للعقد قبل الرّؤية (?) أن يشترط فيه الخيار. فتركه اشتراط الخيار تفريط في الحزم أتى من قِبَله، ولم تدعه ضرورة مع هذا إلى أن يحسن الشّرع النّظر له. ومن فرّط في هذا فرّط في خيار المجلس، وإن جعله الشّرع إليه.
وقد استدلّ أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة عليهم بأنّهم لا يثبتون خيار المجلس في النّكاح وإن كان عقد معاوضة. وهم يجيبون عن هذا بما قدّمناه من أنّ القصد بإثبات خيار المجلس تلافي النّدم على الغبن. وهذا إنّما يعرض في الأموال، وأمّا النّكاح فالمراد به الأعيان، بدليل أنّ من وكّل رجلًا على إنكاحه، فإنّه لا بدّ من إعلام المرأة به. ومن وكّل رجلًا على شراء سلعة، فإنّ العقد يصحّ وإن لم يعلم البائع بالموكّل. وما ذلك إلاّ لكون الغرض في النّكاح الأعيان، وفي البياعات الأثمانَ. وإذا كان الغرض الأعيان سقط اعتبار الغبن في الأثمان.
فلهذا لم يثبت في النّكاح خيار المجلس. ألا ترى أنّ الخيار المشترط يثبت في البياعات، ولا يجوز في النّكاحات. فكذلك خيار المجلس يجوز في البيع ولا يثبت في النّكاح.
وناقضهم أصحابنا بالكتابة لما أسقطوا فيها خيار المجلس. ثمّ هم يجيبون عن هذا بأنّ السّيد باع ماله بماله، وليس هذا حقيقة البيع. فإذا سامح بمثل هذا التّفريط، لم يظنّ به قصد النّظر في العوض والنّدم على الغبن. والمكاتب له أن يُعجز نفسه إذا ندم (أو لم يندم) (?). فلهذا عندهم سقط خيار المجلس في الكتابة.