أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} (?). والمراد افتراقهم بالأديان والمذاهب.
وبقوله جلّ ذكره في الزّوجين: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (?).
والمراد ها هنا الإفتراق بالطّلاق لا بالأبدان.
وقد أجيب عن هذا بأنّ هذا إنّما يستعمل مجازًا، وقد وقع في بعض طرق الحديث ما لم يفترقا من مكانهما (?). وذكر المكان إشارة إلى الإفتراق بالأبدان.
وأجيب عن حمل الحديث على المساومة بأنّ هذا تَجَوُّزٌ في العبارة، وإنّما التّحقيق اشتقاق اسم الفاعل من فعله، إذا وجد، كقولنا: شاتم وضارب، فإنّهما إنّما يسمّيان بذلك إذا وجد الضّرب والشّتم، لا قبل وجود ذلك. واستشهدوا على هذا أيضًا بأن من قال لعبده: إن بعتك فامرأتي طالق، فإنّها لا تطلّق عليه بالمساومة في العبد. فلو كانت المساومة بيعًا لوقع الحنث.
وأجاب بعض أصحابنا عن هذا بأنّ الحنث إنّما لم يقع ها هنا لأجل أنّه علقه بفعل يقع لمّا قال إن بعتك، والمساوم لم يبع. وأشار إلى أنّه لو قال للمتساومين إن كنتما متبايعين فامرأتي طالق، لحنث في يمينه. وهو الّذي قاله في التّحنيث بقوله: إن كنتما متبايعين فيه نظر، وتفصيل حكمه مِمّا قدّمناه في
كتاب الإيمان والنّذور.
وسلك آخرون طريقة أخرى في التأويل فقالوا: المراد أن أحدهما أوجب البيع على نفسه بأن قال البائع: أوجبت على نفسي أن أبيعك بكذا. فإنّ المشتري يخيّر بين القبول أو الرّدّ، ما داما بالمجلس، ولو أقاما فيه اليوم واليومين. فإذا افترقا ولم يقبل المشتري، سقط ما كان له من الخيار بالافتراق بالأبدان. وقيل: الإفتراق لا يسقط خياره عند أصحاب أبي حنيفة. وإن كان أصحاب الشّافعي يسقطون خياره وإن لم يفترقا من المجلس إذا لم يقبل من البائع ما جعل له على