وأمّا الإستدلال بما ذكرناه عن يحيى بن أكتم، إن سلم له الإجماع، فما ذلك إلاّ لكون البائع إذا تصرّف فيما باع بحضرته ولم ينكِر، صار كمن خيّر في الفسخ أو الإمضاء فاختار الإمضاء. وقد ذكرنا أنّ في بعض طرق الحديث أنّه عليه السلام قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر" (?) على حسب ما وقع في هذه الرّواية.
وقد قال الشافعي: إنّ معنى هذا أنّه إذا خيّر أحدهما صاحبه، وهو بالمجلس، بين أن يمضي البيع أو يردّه، فاختار الإمضاء، فإنّه يسقط ما كان له من خيار المجلس. وتعدّى هذه المرتبة بعض أصحابه فقال: وكذلك لو تعاقدا البيع على أنه لا خيار لأحدهما، وإن لم يفترقا، فإنّ ذلك يبطل خيار المجلس.
فإذا كان من مذهب القول هذا، فإنّ لهم أن يقولوا: إنّما جاز شرب الماء قبل الإفتراق، على حسب ما قدّمناه، لكون البائع كالمسقط لخياره.
ومذهبنا أنّ إسقاط الخيار يمنع من ثبوته في المجلس. ولا شكّ أنّ إسقاط الخيار بعد الإستيجاب بالقول منهما جميعًا آكد من إسقاطه في حين التّعاقد، كما زعم بعض أصحاب الشّافعي. لأنّه يعدّ الإستيجاب إسقاط خيار المجلس بعد وجوبه، وفي حين الإنعقاد إسقاط له قبل وجوبه، وإسقاط الشّيء بعد وجوبه لازم كإسقاط الشّفعة بعد وجوبها، وإسقاطه قبل وجوبه لا يلزم على مذهب جماعة من العلماء، كإسقاط الشّفعة قبل وجوبها.
وقد حاول أصحابنا أن يستنبطوا من هذه الزّيادة الّتي وقعت في بعض طرق الحديث مناقضة الشّافعي واستدلالًا عليه. فقالوا: إذا تعاقدا البيع بالقول، فقد تراضيا به، فإن لم ينفع هذا التّراضي ما داما في المجلس، فلا ينفع التّراضي بإمضاء البيع بعد قول أحدهما لصاحبه: اختر. لأنّ كلا القولين تراض، والمجلس لم يفترقا منه.
وينفصل أصحاب الشّافعي عن هذا بأن إسقاط الخيار والتّراضي بذلك بعد