والغرض بيان الشّرط الّذي يجوز معه البيع وهو الإستيفاء. والبيع يقع غالبًا بعد الإستيفاء والإفتراق. فحمْله على المقصود بيانه أو الغالب اعتياده يمنع من أخذ حكم خيار المجلس منه. هذا ولو ادّعينا عمومه كيف يُعدَل عن لفظ يختّص بالمسئلة إلى لفظ يعمّها ويعمّ تغيرها، مع كون هذا مخصّصًا للعموم؟! وهكذا التعلّق باختلاف المتبايعين في الثّمن وحكم مال العبد، إلى غير ذلك مِمّا ذكرناه من آي القرآن القصد بها بيان ما نزلت فيه من إباحة التّجارة على الجملة والتوثّق بالإشهاد خوفًا من التّجاحد بعد الإفتراق أو من الاختلاف في الثّمن قبل الإفتراق، إلى غير ذلك مِمّا يعلم مِمّا نبّهناك عليه.
وأمثلها التعلّق بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. ولكن هذا عموم في كلّ عقد. وحديث ابن عمر خاص في هذا العقد مع الإفتقار إلى تسمية هذا عقدًا، مع ورود الحديث بأنّ العقد إنّما يحصل بعد الإفتراق. وهكذا ما تعلّق به أشهب من قوله عليه السلام: "المسلمون على شروطهم". وهو عامّ أيضًا، إن سلّمنا كون البيع شرطًا، فيخصّ بحديث ابن عمر.
والاستدلال على ثبوت ناسخ مجهول بالعمل لا حقيقة له، إذا (?) لم يقل بأنّ عمل أهل المدينة حجّة بمجرّده، على حسب ما حكي عن مالك على ما ذُكر من تأويله في كتب أصول الفقه, لأنّ المراد بهذا عمل بعض الأمّة وعمل بعضهم ليس بحجّة. وقد كنّا حكينا عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، ذهابهم إلى خلاف ما زعم هؤلاء أنّ العمل وقع به. وتابعهم على ذلك من التّابعين الحسن وابن المسيّب، ومن الفقهاء الزّهري وابن شهاب (?) والثّوريّ وأحمد وإسحاق. وقد عمل بهذا الحديث راويه وهو ابن عمر وعمل الرّاوي بالحديث موجبَه (?) مع مشاهدته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفته بسياقة قوله، وقرائن أحواله فيه، أولى أن يقتدى به من عمل غيره.