استحلف البائع". فلو كان له الفسخ في المجلس، لم يكن في استحلافه إذا خولف في الثّمن فائدة. وأشار مالك، رضي الله عنه، إلى هذه الطّريقة في الموطّأ، فذكر حديث المتبايعان بالخيار. ثم عقبه بأنّه بلغه أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادّان" (?). فأشار إلى ما تعلّق به أشهب من هذا الحديث.
وأشار غير أشهب من أصحابنا مِمّن ذكرنا أنّه سلك مسلكه في ادّعاء النّسخ إلى الإستدلال على حصول النّاسخ من غير تعيينه. فذكر أنّ هذا مِمّا يتكرّر. ولم ينقل عن أحد من العلماء الماضين الّذين يُنتهَى إلى قولهم، ويحكَّمون في هذا أنّه أثبت هذا الخيار ولا قضى به. ولو كان ذلك لنقل واشتهر. فلمّا لم ينقل ولم يشتهر دلّ ذلك على أنّ الحديث منسوخ. واكتفوا عن ذكر النّاسخ يكون العمل مضى بخلاف هذا الحديث. وقد يشير كلام مالك رضي الله عنه، إلى هذا المعنى أيضًا. وذلك أنّه قال في الموطّأ: وليس لهذا عندنا حدّ ولا أمر معمول به (?).
على أنّ أصحابنا اختلفوا على قولين في تأويل هذا الكلام:
فقال بعضهم: المراد به نفي التحديد عن الخيار المشترط في أصل العقد، والتّنبيه على مخالفة أبي حنيفة والشّافعي في ذهابهما إلى أنّ اشتراط الخيار من كلّ مبيع لا يجوز أن يكون أكثر من ثلاثة أيّام. بل يختلف عنده الأجل المشترط في هذا باختلاف أصناف المبيعات، على حسب ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ومنهم من ذهب إلى أنّ مراده بهذا أنّ خيار المجلس لم يرد فيه تحديد بوقت معلوم. قال ابن المعدل: لم يرد بهذا الطّعن في الحديث، وإنّما أراد به أنّه لو كان هذا أمرًا معمولًا به لتشاغل النّاس بتحديد هذا المجلس وتوقيت لزوم البيع. وقال المعامي: قد نهى عليه السلام عن بيع الحصاة، وهي لزوم البيع إذا