يوجب نجاسة الماء الّذي سخن بها ولا نجاسة الطّعام الّذي طبخت به، إذا لم يوضع الطّعام على عظام الميتة وضعًا (?) وقدت العظام فتصاعد دخانها.
ورأى بعض أشياخي أنّ هذا الدّخان إذا انعكس إلى الطّعام أو الماء نجّسه. وهذا الاختلاف من هؤلاء المتأخّرين يلتفت فيه إلى النّظر في استحالة أعيان الجواهر النّجسة حتّى ينتقل اسمها وهيئتها، هل يرفع حكم النجاسة أم لا؟ وهذا أيضًا بسطناه في موضعه. وقد قال في المدوّنة في كتاب البيوع الفاسدة أيضًا: إذا أوقدت عظام الميتة على الجير والقدور، فإنّه لا بأس (?) بذلك. فقال بعض: إنّما مراده أنّ ذلك لا يكون نجسًا، ولم يرد إباحة هذا الفعل ابتداء, لأنّ نقل الميتة وحيازتها على جهة التملّك لها منهيّ عنه. كما قال ابن الموّاز: إنّ عظام الميتة يجوز أن ينقل الرّجل كلابه إليها لتأكل منها, ولا ينقل الميتة إلى كلابه.
ورأى أنّ نقل الميتة إلى كلابه حيازة للميتة على جهة التملّك. فكذا ينبغي أن ينهى هذا عن نقل هذه العظام ليوقد بها على جير أو قدور. وبعض أشياخي يحمل ذلك على ظاهره وأنّه يقتضي جواز الفعل. وقد اختلف الشيخ أبو الحسن بن القابسي والشيخ أبو القاسم بن شبلون في قدر طبخت بعظام ميتة.
فقال الشّيخ أبو الحسن: لا يطهّرها الغسل بالماء، وإذا لم يطهّرها ذلك، فإنّها لا يطبخ فيها. وقال أبو القاسم بن شبلون: بل تطهير بالماء إذا غسلت كما ينبغي. واستشهد بجواز أكل ما يطبخ في قدور المجوس إذا غسلت وهم يطبخون فيها الميتة. وانفصل عن هذا بأنّ قدور المجوس إنّما نجست لأجل ما يطبخ فيها من ميتة، فكذلك تطهير بالماء المطبوخ فيها. والقدور الّتي أوقد على طبخها عظام الميتة نجست نجاسة باطنة لا يزيلها الماء. وقد ذكر الطّحاوي في كتاب مسائل الخلاف له عن مالك أنّه رأى أنّ ما طبخ بعظام الميتة من الطّين حتّى صار قدرًا لا يطهر بالماء.
والجواب عن السؤال الخامس أن يقال: ذكر في المدوّنة ابن القاسم أنّه لم