يسمع من مالك في جواز بيع الزّبل شيئًا، ولكنّه سمع منه أنّه كره بيع العذرة لنجاستها. قال: كذلك ينبغي أن يكره بيع الزّبل لنجاسته، وأنا لا أرى ببيعه بأسًا. فساوى ابن القاسم في إلزامه مالكًا ما بين حكم العذرة والزّبل، فمقتضى هذا جواز بيعها عنده، والنّهي عنه على رأي مالك. وقد قيل في الزّبل: المشتري أعذر فيه من البائع، وأمّا العذرة فلا خير فيها. وقيل أيضًا: إنّ المشتري العذرة أعذر من البائع. وقال ابن عبد الحكم: لم يعذر الله سبحانه واحدًا منهما وهما سيّان في الإثم. وقد قدّمنا لك ما تعلم منه سبب هذا الاختلاف. لكن عرض في هذا ضرورة، وهي حاجة النّاس للتّسميد لبقولهم لأنّها محتاجة إلى التّسميد بالعذرة أو روث الدّواب. وهذه الضّرورة تبيح المحظور وتنقل الأحكام.
فحرّم ابن عبد الحكم البيع لأجل كون هذه نجسة، والنّجس لا يباع كما قدّمناه لمّا ذكرنا الحديث الوارد في مثل هذا. ورأى ابن القاسم أنّ هذه الضّرورة تبيح المحظور. وأشير في بعض الرّوايات إلى أنّ الزّبل أخفّ في هذا من العذرة، لكون العذرة متّفق على نجاستها. وفرق في العذرة بين البائع والمشتري. لكون المشتري لا مندوحة له عن الشّراء، وكون البائع يمكنه بذل ذلك بغير عوض.
فالضّرورة متحقّقة في حقّ المشتري، وغير متحقّقة في غير (?) البائع. وقد كره ابن عمر أكل البقل الّذي ينبت بهذا. ذكر عنه ابن الموّاز، وقال: وأنا لا أرى بأكله بأسًا. فكأن ابن عمر لا يرى استحالة عين النجاسة مؤثّرًا. وهذا الّذي ذكرناه في هذه المسئلة مأخوذ حكمه وتعليله مِمّا قدّمناه وأصّلناه فيما قبل.
والجواب عن السؤال السادس أن يقال: الشّعر كأنّه متكوّن عن أبخرة وغيرها مِمّا ينبعث من البدن على رأي صناعة أهل الطّبّ. وقد اختلف العلماء في طهارة شعر الميتة. فقال مالك إنّه طاهر. وقال الشّافعي: إنّه نجس. وسبب هذا الخلاف ما قدّمناه مرارًا من كون ما كانت به حياة ثمّ ذهبت بأمر إلهي، فإنّها به ميتة، وما لم تخلق فيه حياة قطّ، فلا يقال: إنّه ميتة، في عرف التّخاطب،