بالدّباغ طهارة كاملة فإنّا لا نجيز بيعها لكون بعض منافعها لا تباح وإن دبغت.
وقد تقدّم كون حكم الشّيء، مختلفًا أحكام منافعه منها محلّل ومنها محرّم، هل يجوز بيعه أم لا؟ واتّقى مالك استعمالها في المائعات دون اليابسات الّتي يؤمن أن تميّع شيئًا من أجزاء الجلد. ولكنّه لم يحرّم هذا، بل أشار إلى إباحة الانتفاع باستعمالها وعاء للجمادات وللمائع، ولكنّه استثقل المائع تورّعًا واحتياطًا. وقد تكلّمنا على حسب هذا الاختلاف في كتابنا المعلم وعلى جملة مذاهب النّاس فيه وما ورد من الأحاديث. وخرّجنا ذلك على أصول الفقه وشواهد الأصول. وذكرناه أيضًا في شرح التّلقين بما يغني عن إعادته ها هنا. ونبّهنا على ما وقع من اختلاف الرّواة في جلد الشّاة الّتي ماتت، وإباحته أن ينتفع (?) قولًا مطلقًا.
وتقييد هذا القول في رواية أخرى بقوله: ألا أخذوه فدبغوه وانتفعوا به. لكن إذا قلنا ها هنا إنّه نجس قبل الدّباغ وأنّه يطهَر بالدّباغ، فهل يباع قبل الدّباغ لكونه يمكن فيه كون فعلٍ مّا يصيّره طاهرًا، كما قلنا في الزّيت النجس؟ أو لا يسوغ ذلك لما أشرنا إليه من الفرق بين بيع الخمر قبل أن يخلّل وبين بيع الزّيت النجس؟ فإذا قلنا: إنّ الدّباغ يصيّره طاهرًا، ونجاسته ليست راجعة لعينه لكن أجزاء تخلّلت الجلد تذهب بالدّباغ، فإنّ هذا يوجب إلحاقه بالزّيت النّجس.
وقد أشرنا في كتاب المعلم وغيره إلى علّة كون الدّباغ يصيّره طاهرًا لكونه حافظًا له من الفساد كما تحفظ الحياة من الفساد. وأمّا عظام الميتة، فإنّه قد اختلف في الإدِّهان بدهن وضع في أنياب الفيل، على أنّ النّاب من الفيل ليس كالعظام الباطنة، وإنّما هو كقرن مقلوب، واختلف في قرون الميتة وأظلافها، فقيل: إنّ ذلك نجس. وقيل: أمّا ما قطع منها وهي حيّة وكان لا يؤلمها، فإنّه طاهر، سواء أخذ في حياتها أو مماتها. وعلى هذا يجري حكم الأظفار. وقد أوعبنا الكلام على عظام الميتة فيما تقدّم من هذا الكتاب في موضعه الّذي يليق به.
وقد ذكر في المدوّنة من كتاب البيوع الفاسدة أنّه لا يوقد عظم الميتة تحت قدر فيها ما يستعمل لوضوء أو عجين. وقال بعض الأشياخ: إنّ ذلك إذا فعل لا