من منافعها، أو تكون مِمّا يصحّ تملّكها والانتفاع بمنافعها كلّها، أو مِمّا يصحّ تملّكها ويحلّ الانتفاع ببعض منافعها دون بعض.
فإن كانت مِمّا لا يصحّ تملّكها، فلا خفاء أنّ بيعها لا يصحّ. لأنّا كنّا قدّمنا أن حقيقة البيع نقل الملك بعوض، وإذًا لم يتصوّر البيع الّذي هو تابع للملك وفرع، كما أنّ الملك وصحّته قد يكون تابعًا لجواز الانتفاع وفرعًا عنه. وهذا القسم أحد أمثلته الخمر، فإن بيعها لا يصحّ لمّا كان ملكها لا يصحّ، وملكها إنّما لم يصحّ لأنّ الانتفاع بسائر منافعها لا يجوز لتحريمه. وقد نبّه - صلى الله عليه وسلم - على هذا المعنى بأحسن تنبيه. فخرج في الصحيحين أنّه عليه السلام ذكر أنّ الله تعالى حرّم بيع الخمر والميتة والدّم والأصنام. (?) فقيل: يا رسول الله، إنّ شحوم الميتة تطلى به السفن ويستصبح. فقال: "لا، هو حرام، لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم فباعوها وأكلوا ثمنها" (1) الحديث المشهور.
فنبّه - صلى الله عليه وسلم - على أنّ الشّحم لما حرّم على اليهود أكله وهو المقصود، وجب أن يمنع البيع كالمعاوضة عمّا لا ينتفع به، وذلك من أكل المال بالباطل. وقد ورد في الكتاب والسنّة النّهي عنه. وهذا جار على ما أصّلناه وبيّناه في الخمر. وكذلك ما ذكر معه من الميتة والدّم وغير ذلك مِمّا في معناهما مِمّا ذكر في هذا الحديث. وفي غيره علّة المنع من بيعه ما نبّهنا عليه من تحريم الانتفاع به، وتحريم الانتفاع به يمنع من تملّكه. ولا ينقض هذا يكون الإنسان يملك أباه ولا يحلّ له استخدامه والانتفاع به في مثل هذا المعنى، ثمّ لم يكن المنع من الانتفاع به يحيل صحّة ملكه لأنّ الأب يُملك بالشّراء. ولولا أنّه يملك بالشّراء لما عَتَق على ولده. فقد صحّ ها هنا الملك مع تحريم الانتفاع بالمملوك. لأنّ هذا إنّما أبحنا شراءه، وإن كان لا ينتفع به، وجعلناه مملوكًا بالشّراء، لأنّه قد تضمّن فعل قربة لله سبحانه وهو برّ الوالدين، والقُرَبُ إلى الله سبحانه أعظم المنافع. فإذا فات ها هنا تصوّر المنفعة بالأب من ناحية الدّنيا، لم يفت تصوّر ذلك من ناحية الآخرة.