شرح التلقين (صفحة 136)

سواه من الفروض. فوجب أن يوقع القصد عند المقصود. فإن قدمها على ابتداء العمل الذي أمر بأن يوقعها فيه، فهل يعتد بها أم لا؟ لا يخلو ذلك من قسمين: أحدهما أن يقدمها بالزمن البعيد. والآخر أن يقدمها بالزمن القريب. فإن قدمها بالزمن البعيد فإنها لا تؤثر، ولا يعتد بها من غير اختلاف.

ووجه ذلك: أن الغرض بها تخصيص الفعل، وإيقاعه على جهة التقرب.

فإذا قدمت عليه بالزمن البعيد، فقد وقع عاريًا منها. فوجودها كعدمها. وإن قدمها بالزمن القريب في الطهارة ففيه قولان: أحدهما: أن ذلك لا يجزيه، وهو الأصح في النظر؛ لأن النية عرض، والعرض لا يبقى عند أهل الأصول. فقد حصل من ذلك وقوع الفعل عاريًا عنها. فلا فرق بين تقدمها بزمن بعيد أو قريب (?)، لأن الفعل وقع عاريًا عنها في الحالين. وقيل أنه يجزيه لأن ما قارب الشيء حكمُه حُكمُه. فإذا أوقع النية قبل الشروع في العبادة بالزمن القريب، ثم ذهل عنها، ثم أوقع العمل بفور ذلك، قدر أن النية مصاحبة له بكونها قريبة منه.

والجواب عن السؤال الرابع عشر: أن يقال: أما استصحابها فلا يلزم ذكرًا، وإنما يستصحب حكمًا. لما قدمناه من أن العبادة ذات الأجزاء، أنزلت منزلة العبادة التي هي جزء واحد. فقدر أن النية الواقعة في ابتداء الأجزاء مصاحبة لسائر الأجزاء، وإذا ثبت أنه لا يلزم استصحابها ذكرًا، وإنما يلزم حكمًا، فاستصحابها حكمًا إنما يصح أيضًا ما دام العمل متصلًا بعضه ببعض. فلو طال انفصال ما بين أجزائه لافتقر الجزء المستأنف إلى نية تجدد له. كمن ذكر عضوًا من أعضاء الطهارة بعد انفصاله عن الطهارة بالزمن الطويل، فإنه يجدد نية عند غسله. وكذلك من خلع خفيه وشرع في غسل رجليه. وإنما كان الأمر هكذا في الاكتفاء باستصحابه حكمًا؛ لأنه يشق على المكلف أن يبقى سائر نهار صومه ذاكرًا للنية، لا يذهل عنها طرفة عين. هذا لا يتأتى منه في غالب العادة، فعفي له عنه. وكذلك الأمر في الطهارة، والصلاة، والحج، وسائر العبادات،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015