شرح التلقين (صفحة 1280)

استحلفتم أحد المتبايعين على ما أثبت وهو فيه مدع قبل نكول المدعى عليه؟! وذلك أن المدعي والمدعى عليه شخصان انفرد هذا بإثبات محض، وانفرد الآخر بنفي محض، فلم يحسن، على ما قررناه من أصل الشرع، أن يستحلفه على ما أثبته أوَّلًا، وحسن ذلك في المتبايعين لما كان من إثبات قوإنضاف إلى إثباته إنكار ونفي، وهو المبدَّأُ فيه باليمين، فحسن أن يُسْنَدَ إلى هذه التبدئة وجه آخر ليس من حقه أن يبدّأ به ليرفع عن نفسه الضرر بتكرير اليمين. وهذا فرق واضح لا إشك الذيه.

وعلى هذه الطريقة جرى أهل المذهب في تحليف من بيده الرهن على ما ادعاه من الدين، فإن كان ما ادعاه أكثر من قيمة الرهن، وهو لا يصدق فيما زاد على قيمة الرهن، وإنما يصدق في قدر قيمته مع يمينه، فلما توجهت عليه هذه اليمين على قيمة الرهن، التي هو مبدَّأ فيها على الراهن، حسن أن نضيف إليها ما ادعاه من الزيادة على قيمة الرهن، لئلا ينكل الراهن عن اليمين فيحتاج إلى يمين أخرى على ما زاد على قيمة الرهن.

وقد حكى شيخنا أبو الحسن اللخمي اختلافًا في صفة اليمين: هل يحلف على النفي أو على الإثبات؟ واختار هو أن يخير هذا المستحلَف، فإن شاء حلف على النفي، وهي اليمين التي يقضى بها عليه، ويؤخر يمينه على الإثبات إلى أن ينكل صاحبه، فيحلف حينئذ يمينًا أخرى. فقضى عليه باليمين التي هي الواجبة في الأصل، وخيّره في اليمين التي لا تجب عليه. وإنما مُكِّن منها لإزالة الضرر بتكرير اليمين عليه. وهذا هو من حقوقه، فإن شاء التزم هذا الضرر، وقدم يمين الإثبات مع النفي، وحلف عليهما جميعًا. وهذا الذي اختاره لم يبعد فيه على ما قدمناه لك من تأصيل الشرع. لكن هذا الخلاف الذي حكاه لا أحفظ الآن نص أحدٍ من أصحابنا عليه، لكن أحفظ عن الشافعية فيه اختلافًا، فمنهم من يرى أن مذهب الشافعي أنه يحلف يمينًا واحدة على النفي والإثبات، قول واحد. ومنهم من يخرّج له قولًا آخر، أنه يحلف يمينين: على النفي يمين، ويمين أخرى على الإثبات. واستقراء ذلك من قوله، في رجلين أيديهما جميعًا على دار، فزعم كل واحد منهما أن جميع الدار له، فقال: يحلف على نصفها الذي حازه أنه لا حقَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015