شرح التلقين (صفحة 1279)

على فروع كثيرة تكرر في أجوبتها أنهما يتحالفان ويتفاسخان، وجب أن نبين

حكم هذا التحالف والتفاسخ. والكلام فيه من خمسة أوجه:

أحدها: صفة هذا التحالف، والثاني: من يبدأ فيه. والثالث: حكم

النكول عن هذه اليمين. والرابع: متى يقع الفسخ. والخامس: هل يقع الفسخ ظاهرًا أو (?) باطنًا أو ظاهرًا خاصة.

أمّا الوجه الأول، وهو صفة التحالف، فإنا قد قررنا لك أوّلًا أن هذين المتبايعين كل واحد منهما مدع ومدعىً عليه، وبهذا علل مالك رضي الله عنه في موطئه كونهما يتحالفان ويتفاسخان، بأن قال: وذلك أن كل واحد منهما مدع على صاحبه. فإذا وضح لك قول مالك: إن كل واحد مدع، ومدعىً عليه؛ وتقرر في أصل السماع بالحديث المشهور واتفاق العلماء أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والمدعى عليه منكر، فهو الذي يكون عليه اليمين، والمدعي مثبت، والمثبت عليه البينة. ولا يكتفى بيمينه في مجرد دعواه دون عرض اليمين على المدعى عليه. فإذا تقرر هذا الأصل فقد صار كل واحد من المتبايعين المختلفين في الثمن مدعيًا، فيكون الحكم من هذه الجهة استحلافَه، فقد صارت دعواه تتضمن نفيًا، وهو أنه لم يبع سلعته من المشتري بعشرة دنانير، كما زعم، ويتضمن إثباتًا، وهو أنه باعها منه بإثنى عشر دينارًا فوجب أن يستحلف على ما أنكر، دون ما أثبت، على ما قررناه من أصل الشرع الوارد في هذا الكتاب، لكن لما كان ها هنا مطلوب أبي مين من جهة إنكار حسن أن يضيف إليه اليمينَ على ما أثبت، لئلا ينكل صاحبه فيفتقر إلى يمين أخرى على ما أثبت، وتكرير اليمين مما يشق، والأصول تقتضي تقليل الأيمان ما أمكن.

وهذا المعنى هو الذي ننفصل به عن اعتراض من اعترض علينا في هذا فقال: لو ادعى رجل على رجل بعشرة دنانير لم يستحلفوا إلا المدعى عليه، فإنْ طلبكم المدعي المثبتُ أن تستحلفوه قبل نكول المدعى عليه لم تفعلوا، فلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015