شرح التلقين (صفحة 1243)

المراوإلاطلاع على عين آحادها. وأمّا ما تتساوى آحاده والمراد منه معرفة المبلغ كالمراد من صبرة الحنطة معرفة مبلغها لا عين كل بُرَّةٍ منها، فإنه يجوز بيعه، وإن كان معدودًا، جزافًا، فإن اعترض هذا ما أشرنا إليه من التفرقة التي ذكرناها آنفُ ابين المعدود والمكيل قيل قد يكثر الشيء حتى يشق عدده كما يشق كيله ووزنه. وهكذا عند القاضي أبي محمَّد عبد الوهاب هذا الباب لتمييز ما المراد منه أعيان آحاده؟ أو ما المراد منه معرفة مبلغه لا أعيان آحاده؟ لكن هذا الذي ذكرناه في المعدود يقتضي أنه لو كان قليلًا لا كلفة في عدده، والعادة أن يباع بالعدد لم يسامح ببيعه جزافًا. وقد قال مالك رضي الله عنه: لا بأس أن تباع العصافير والحيتان الصغار جزافًا. وأما الكبير منها فلا يباع جزافًا، وإنما يعد عددًا. وفي الموازية أنه إذا علم أحد المتعاقدين العدد فكتمه عن الآخر وتبايعا على الجزاف، أن ذلك عيب يوجب الرد. فأشار ها هنا إلى جواز بيع المعدود جزافًا. فتحمل هذه الروايات التي اختلفت ظوأهرها على ما قلناه من كون المعدود لا تُرادُ آحاده. فيجوز فيه الجزاف كالجوز والبيض، على حسب ما مثل به القاضي أبو محمَّد عبد الوهاب المعدود الذي يجوز بيعه جزافًا.

لكن وقع في كتاب ابن حبيب جواز بيع الأترجّ والبطيخ جزافًا، وإن اختلفت أجرام آحاده في الكبر والصغر. وهذه الرواية لا تصح على ما أصلناه، إلا أن يكون الثمن لا يختلف عند المتعاقديق باختلاف صغر البطيخ وكبره. وقد ذكرنا عن مالك أنه أجاز بيع العصافير جزافًا. لكن ابن القاسم تأوّل ذلك على أنها مذبوحة، وأما إن كانت حية فلا يجوز بيعها جزافًا لأنها يموج بعضها في بعض. وهذه إشارة إلى أن الحية لا يتأتى حزرها لما يحدث فيها من حركات وبسط أجنحة يستر بعضها بعضا. وهذا مسلم إن ثبت أن الحزر لا يوثق به فيما كان حيًا منها؛ لأنا شرطنا في جواز بيع الجزاف أن يكون مما لا يعظم الغلط فيه ويتفاحش، فقدر ابن القاسم أن الحي من العصافير يعظم الغلط فيه ويتفاحش، فلهذا منعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015