شرح التلقين (صفحة 1242)

الذي له مقدار كثير من الثمن والمثمون، فإنه لا يبيح لهما أن يتعاقدا بيعًا جزافًا، وهما يعلمان من أنفسهما أن غلطهما يتفاحش ويعظم حتى يقعا في الغرر والتخاطر.

والجواب عن السؤال الثالث أن يقال: تحقيق مقادير المبيعات يكون بثلاث صور: أحدها الكيل والآخر الوزن والآخر العدد.

فأما المكيلات فالحنطة والشعير والقطاني وغيرها من ضروب المكيلات فإنه لا يختلف في جواز بيعها جزافًا على الجملة. وكذلك الموزونات أيضًا كاللحم وشبهه. وأما المعدودات فقد وقع في المذهب روايات تشير إلى الاضطراب في هذا. فوقع لمالك رضي الله عنه في الموطأ أنه قال، في بيع الإبل والغنم والخيل والرقيق جزافًا: إن ذلك لا يجوز. ولا يجوز الجزاف فيما يعد عدًّا (?). وهذا الإطلاقال في وقع في الموطأ يقتضي ظاهره منع بيع المعدود جزافًا، بخلاف المكيل والموزون. وإن ترك على ظاهره كانت التفرقة بينه وبين المكيل والموزون أن المكيال والميزان التي لا يمكن العلم بالمبلغ في الحنطة واللحم إلا بحضورهما، وقد لا يوجدان أو يشق إحضارهما، فرخص في ذلك لأجل هذه المشقة. والعدد لا يفتقر فيه العاد إلى آلة قد يتعذر إحضارها. فلم يكن في تكليفه العدد مشقة. فلهذا عفي (?) عنه. لكن الحذاق من المتأخرين يشيرون إلى أن قول مالك رضي الله عنه هذا متأول فيما يكون المراد منه أعيان آحاده لا العلم بمبلغه. فلهذا مثل في الموطأ لما ذكر هذا بالإبل والغنم والخيل والرقيق. وهذه الأصناف التي ذكرها المراد أعيان آحادها والإحاطة بصفاتها، كل شيء منها على حياله، ليعلم بذلك قدر ثمن كل واحد على انفراده، فيحصل له من ذلك كونه غابنا أو مغبونا. فلو بيعت الجمال أو الجواري عددًا من غير اطلاع على صفات كل واحد منها على انفراده، لعظم في ذلك الغرر واتضح الخطر. فيحمل قول مالك: ولا يباع جزافًا ما يعد عذاة على هذه الأجناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015