وقد ألحق في المدونة بهذا الباب مسألة من باع دارًا على أن ينفق مشتريها عليه حياته، فذكر أنّ هذا عقد فاسد لا يجوز، وأنه يجب فسخه ورد الدار لبائعها، ويرجع مشتريها عليه بقيمة ما أنفق عليه.
وإيراد هذا السؤ الذي هذا الباب قد يفتقر إلى اعتذار لكونه في الظاهر خارجًا عما ترجم الباب به. والعذر عن ذلك أنه قدر أن بائع الدار أسلمها في طعام يطعمه أجلًا مجهولًا، وهذا سلم فاسد، يجب فسبخه، ورد دار البائج عليه، ورد البائع على المشتري ما أنفق عليه. فلهذا أدخل هذا السؤال ها هنالأولا خفاء بفساد هذا العقد. لأن أمد حياة هذا البائع مجهول. فقد يحيى بعد العقد. يومًا وقد يحيى ألف يوم أو أكثر منها. وهذا اختلاف عظيم في مقدار الثمن لا يعلم ضبطه ولا حقيقته لا البائع ولا المشتري.
ولكن هذا مع وضوح فساده قد وقع لأشهب إمضاء هذا العقد، واختلف المتأخرون في العذر عنه، فقيل: إنما أجاز ذلك لأنه أعمر البائع أمرًا والنفقة في هذا الأمر في حكم المعلوم يطلب بها ذمة المشتري مات أو عاش. فصار العقد وقع على ثمن معلوم ..
وهذا العذر لو صورت المسألة عليه وأن بيع الدار وقع بثمن معلوم لا غرر فيه أصلًا لم يخالف ابن القاسم فيه أشهب. كما أن أشهب لو صورت المسألة عنده بانعقاد البيع على ثمن مجهول لم يمضه.
واعتذر بعض أشياخنا عنه بأنه قد يريد وقوع هذا العقد على جهة المكارمة، كما يفعل الأب مع ابنه، بأن يقول: أنفقْ عليَّ، وداري لك. والقصد ها هنا المكارمة من الأب لولده، ولم يقصد الأب وولده بمثل هذا العقد المعاوضة على جهة المكايسة والمتاجرة. فلهذا جاز.
والتأويل الأول هو أولى لكونه عامًا في سائر المتبايعين على تعمير يصير معه الثمن معلومًا. وأما فعل الآباء وأمثالهم مع بنيهم وأقاربهم فهذا يتسع القول فيه، ولا يكون الجواب عامًا في سائر الناس.