من رجل: جعل المجرور بها في العموم، وإنما تكون للتبعيض إذا لم يقصد عموم، وحسن في موضعها "بعض" نحو (ومن الناس مَن يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) و (منهم المؤمنون وأكثرُهم الفاسقون) و (فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابِقٌ بالخيرات). وقد صرّح سيبويه بذا المعنى فقال: "وتكون للتبعيض نحو هذا منهم، كأنك قلت بعضهم". وأشار أيضا إلى قصد التبعيض بالمصاحبة أفعل التفضيل فقال في: هو أفضل من زيد: "فضّلة على بعض ولم يَعُمّ".
ويبطل كون هذه للتبعيض أمران: أحدهما عدم صلاحية بعض في موضعها، والثاني صلاحية كون المجرور بها عاما كقوله: الله أعظم من كل عظيم، وأرحم من كل رحيم. وإذا بطل كون المصاحبة أفعل التفضيل لابتداء الغاية وللتبعيض تعيّن كونها لمعنى المجاوزة، كما سبق.
ومجيء من للانتهاء كقولك قربت منه، فإنه مساو لقولك قربت إليه. وقد أشار سيبويه إلى أن من معاني من الانتهاء فقال: "وتقول رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك، كما جعلته غاية حين أردت الابتداء". قال ابن السراج – رحمه الله -: "وحقيقة هذه المسألة أنك إذا قلت رأيت الهلال من موضعي، فمِن لكَ، وإذا قلت رأيت الهلال من خلل السحاب فمِن للهلال، والهلال غاية لرؤيتك، فلذلك جعل سيبويه من غاية في قولك رأيته من ذلك الموضع". وقد جاء "من" بمعنى "على" في قوله تعالى (ونَصرناه من القوم الذين كَذَّبوا بآياتِنا)