التفضيل، فإن القائل زيد أفضل من عمرو، كأنه قال: جاوز زيد عمرا في الفضل. وهذا أولى من أن يقال لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه والانحطاط في شرّ منه كما زعم سيبويه؛ إذ لو كان الابتداء مقصودا لجاز أن تقع بعدها إلى. وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يُقصد دون إرادة مُنْتَهى، فقال: "وتقول ما رأيته مذ يومين، فجعلتها غاية، كما قلت أخذته من ذلك المكان فجعلته غاية ولم تُرد منتهى" هذا نصه. والصحيح أن "من" في نحو أخذته من ذلك المكان للمجاوزة إذ لو كان الابتداء مقصودا مع أخذت كما هو مقصود مع حملت في قولك حملته من ذلك المكان لصدق على استصحاب المأخوذ أخذ، كما يصدق على استصحاب المحمول حمل. وأماما في: رأيته من يومين ونحوه فقد جعلها بعضهم بمعنى "في" وليس كذلك، والمراد بما رأيته من يومين ونحوه نفي الرؤية في مدة أنت في آخرها والابتداء والانتهاء مقصودان واليومان معيّنان. ولو جيء بفي مكان من لم يفهم تعيّن ولا ابتداء ولا انتهاء. وقد يقع موقع "مُذْ" ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها "هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيام". فلو كان المجرور بمذ أو منذ حاضرا غير مثنى ولا مجموع صح قصد معنى "في" في قوله صلى الله عليه وسلم للملكين عليهما السلام "طرقتماني منذ الليلة".

وأشار سيبويه إلى أن "من" الزائدة قصد بها التبعيض لأنه قال بعد تمثيله بما أتاني من رجل: "أدخلت من لأنه موضع تبعيض، فأراد أنه لم يأت بعض الرجال" هكذا قال. يريد أن من دلت على شمول الجنس، فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جميعها، فالتبعيض على هذا التقدير مقصود. وهذا غير مرضيّ، لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض. وإنما المقصود بزيادة من في نحو: ما أتاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015