فيقدر في الأول ضربت مسمعا – وهو اسم رجل – ويقدر في الثاني ينكى أعداءه، وهذا مع ما فيه من التكلف مردود بإتيان النصب في مواضع لا يصلح فيها إتيان فعل، كقول كثير:
تلومُ امرأ في عنفوانِ شبابِه ... وللتَّرْكِ أشياعَ الضَّلالة حينُ
وكقول الآخر:
فإنكَ والتأبينَ عُرْوَةَ بعدَما ... دعاكَ وأيْدينا إليه شوارعُ
لكا لرجُل الحادي وقد تَلَعَ الضُّحى ... وطيرُ المنايا فوقهنّ أواقِع
ونبهت بقولي "ومضاف إلى المرفوع أو المنصوب، ثم يستوفي العمل، كما كان يستوفيه الفعل" على أنه إذا أضيف المصدر إلى مرفوع كان في الأصل مبتدأ لم يجز حذف المنصوب كما لم يجز حذفه مع الفعل نحو: عرفت كون زيد صديقك. وكذا إذا أضيف إلى منصوب هو في الأصل مبتدأ أو خبر لا يجوز الاكتفاء به، بل لا بد من ذكر الجزء الثاني، كما كان مع الفعل. وذلك قولك عرفت كون صديقك زيد، وتبيّنت ظنّ عمرو عدوّك، فيمتنع حذف ما بعد المجرور في ذا وأمثاله، كما يمتنع مع الفعل، لأنه خبر ومخبر عنه، وإن لم يكن المنصوب بعد الإضافة خبرا ولا مخبرا، فحذفه جائز، كما كان في الفعل نحو (فاستبْشِروا بِبَيْعِكم) (وما كان استغفارُ إبراهيمَ) (وكذلكَ أخذُ ربّكَ إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذَه أليمٌ شديدٌ) (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) (ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون بنصر الله).